Author

العملات الرقمية .. والشكوك المتزايدة

|
جاء تحذير هيئة السوق المالية في المملكة من الاستثمار والمضاربة بالعملات الرقمية في الوقت المناسب. وذلك مع تزايد الشكوك حولها، ولا سيما في الفترة الأخيرة التي شهدت خلالها هذه العملات ارتفاعات كبيرة، بعض هذه الارتفاعات كان خرافيا حقا. والعملات المذكورة لم تخضع "حتى اليوم" لأي لوائح أو تشريعات مصرفية في أي بلد، رغم أن بعض البلدان لم تتدخل في حراكها. ولا تزال البلدان الكبرى اقتصاديا مترددة في توفير الغطاء القانوني والرقابي على العملات الرقمية، بينما أعلنت بعض هذه البلدان نيتها إصدار عملاتها الإلكترونية الخاصة بها. وربما من أجل ذلك تتردد في وضع العملات الرقمية الموجودة حاليا على الساحة تحت الغطاء الرقابي. لكن في كل الأحوال هذه العملات أصبحت مصدرا رئيسا للخطر في أروقة المؤسسات التشريعية. ولا شك أن تحذير هيئة السوق المالية، يأتي ضمن الحرص على أموال المواطنين، خصوصا في ظل حملات ترويجية مكثفة للعملات الرقمية خاصة الـ"بتكوين" على الساحة المحلية، كما هو الحال في أغلب بلدان العالم. فهذه العملات لا تخضع لأي رقابة سعودية، وبالتالي لا تستطيع الحكومة في المملكة ملاحقة أي طرف يقوم بأعمال النصب والخداع والسرقة في هذا المجال. فليس منطقيا "مثلا" وصول قيمة الـ"بتكوين" الواحد إلى 16 ألف دولار، بينما بدأت التداول بدولار واحد فقط! كما أن الخوف يكمن في أن هذا الارتفاع الجنوني، يقابله انخفاض جنوني سريع أيضا. أي أن مثل هذه العملات لا يمكن أن تعد آلية استثمارية طبيعية، ناهيك عن أنها بعيدة في الواقع عن أي نوع من أنواع المحاسبة. في الآونة الأخيرة نشطت عمليات الترويج لهذه العملات، وكما أنها رقمية فإنها تبدو وهمية أيضا، إذ إن التحويلات المالية من أجل الاستثمار فيها تذهب إلى جهات مجهولة، ومن الصعب معرفة حتى مكانها الجغرافي. صحيح أن البعض حقق مكاسب كبيرة من هذه العملات خاصة الـ"بتكوين"، لكن الصحيح أيضا أن الاحتيال يبدأ عادة بتوزيع أرباح كبرى على المستثمرين، سرعان ما يصبحون خاسرين. في بعض البلدان، أقدم الناس على بيع منازلهم من أجل الاستثمار في هذه العملات، على الرغم من أنهم تلقوا تحذيرات من أكثر من جهة بهذا الخصوص. ولذلك فإن أي تحذير يأتي على مستوى هيئة السوق المالية السعودية، ينبغي أن يكون متصدرا المشهد العام. السعودية تتحرك بالطبع على صعيد إصدار عملة إلكترونية خاصة بها. وفي أواخر العام الماضي، أعلن مبارك المنصوري محافظ مصرف الإمارات المركزي، أن بلاده تعمل مع مؤسسة النقد العربي في المملكة على إصدار عملة رقمية ستكون مقبولة في المعاملات عبر الحدود بين البلدين. وهذه خطوة مهمة للغاية، خصوصا في ظل الحراك الاقتصادي المشترك المتنامي بين البلدين. مثل هذه الخطوة ستوفر بالتأكيد حماية لأموال المواطنين من عمليات الاحتيال المنتشرة حول العالم، فضلا عن أن ذلك سيسهل التعاملات في المستقبل سواء ضمن الساحة المحلية أو خارجها. لقد آن الأوان بالفعل لحسم موضوع العملات الرقمية على الساحة العالمية. فهي مغرية إلى حد الدمار بالنسبة للراغبين في تحقيق أرباح سريعة. وهذه العملات تتكاثر بقوة، ما يؤكد مجددا ضرورة أن يقف العالم أمامها سواء بقبولها ضمن القوانين والتشريعات المتعارف عليها، أو منعها بقوة القانون. لا توجد حلول وسط في مسألة فيها من الشكوك أضعاف ما فيها من اليقين.
إنشرها