Author

أسواق النفط بين ذروة الطلب وتراجع إنتاج الحقول القائمة

|

لقد تحول النقاش حول ذروة الطلب على النفط من مجرد فكرة إلى احتمالية إلى نذير خطر على الصناعة. في معظم الأحيان، تركز المناقشات على السنة التي قد تحدث فيها هذه الذروة. هل هي 2025؟ 2035؟ وفي هذه الأيام لم تخل المناقشات أبدا من ذكر السيارات الكهربائية، التي من دون شك ستؤثر في حصة النفط في قطاع النقل ــــ المحرك الرئيس للطلب. ولكن هناك أمور مهمة أخرى تدعو للقلق أكثر في المدى الأقصر. على سبيل المثال، في عام 2017، وصل نمو الطلب العالمي على النفط إلى نحو 1.6 مليون برميل يوميا، وهو رقم أعلى بكثير من المتوسط التاريخي القريب.
وبالنسبة لأسواق النفط، حتى هذا الرقم يأخذ بعض الوقت لاحتسابه – حيث يميل المحللون إلى قضاء وقت طويل في التركيز على الزيادة أو النمو في الطلب (في هذه الحالة على 1.6 مليون برميل يوميا) وقليل من الوقت في النظر إلى الرقم الكلي للطلب على النفط. لذلك، بمجرد أن نعرف أن العالم سيحتاج إلى واحد أو 1.6 مليون برميل إضافي يوميا من العرض في العام المقبل، يمكننا أن نقدم دليلا للمنتجين حول كمية النفط الجديدة اللازمة للحفاظ على العرض والطلب في حالة توازن. وضمن هذا الإطار، فإن احتمالية ذروة الطلب تعتبر مسألة مهمة: فهي تخبر السوق بأنه ليس هناك حاجة إلى مزيد من النفط الجديد، كما أن تراجع الطلب يعني أننا بحاجة إلى إزالة بعض الإنتاج من الأسواق.
ولكن هناك مشكلة في هذا الإطار. حيث إنه يتجاهل جزءا مهما من المعادلة وهو: حجم معدل انخفاض الحقول القائمة. وهي أكثر أهمية في هذه الأيام، لأن معدل الانخفاض أصبح أكثر ديناميكية. وينبغي على شركات النفط ألا تتجاهل هذا التحول في هذا العام أو ما بعده. وسيكون هذا أهم بكثير من وصول الاستهلاك إلى ذروته.
إن تراجع إنتاج الآبار والحقول ليس بالشيء الجديد على الصناعة، فمنذ بداية الإنتاج تبدأ الشركات التخطيط لهذه اللحظة. ولكن من الصعب جدا تحديد رقم معين للمعدل العالمي لهذا الانخفاض. معدل التراجع العالمي المتعارف عليه في الصناعة يراوح بين 3 و6 في المائة سنويا، معدل تراجع إنتاج الحقول البحرية أعلى من البرية، والحقول القديمة أعلى من الجديدة، والنفط الصخري أعلى من كل منها.
ولكن يبدو أن معدل الانخفاض قد تغير خلال فترة تراجع أسعار النفط منذ منتصف عام 2014. فقد انخفضت معدلات التراجع في المراحل الأولية من هبوط الأسعار، حيث سعت الشركات إلى إبقاء الإنتاج الحالي على أعلى مستوى ممكن عن طريق ترشيد الصيانة وتركيز الاستثمار في المناطق الأعلى إنتاجية.
ولكن مع استحكام الفكرة القائلة إن الأسعار ستبقى "منخفضة لفترة أطول"، فإن هذه الجهود المؤقتة قد تراجعت بسبب الانخفاض الحاد في النفقات الرأسمالية. وكانت النتيجة زيادة في معدل الانخفاض. ويقدر المحللون أن عام 2016 شهد أعلى معدل تراجع خلال السنوات الـ25 الماضية. ومن المرجح أن يزداد سوءا أيضا، حيث إن التخفيضات الأخيرة في الإنفاق جعلت منحنى الانخفاض أكثر حدة للعامين المقبلين. وعلاوة على ذلك، يمكننا أن نتوقع زيادة هيكلية طويلة الأجل في معدل الانخفاض، وذلك ببساطة لأنه في غياب تطوير حقول جديدة - متوسط عمر الحقول المنتجة الحالية في ارتفاع الآن. في عام 2017، قام البعض بتقييم معدل الهبوط عند 9 في المائة، أي ما يعادل نحو 8.8 مليون برميل يوميا. وهذا يزيد بمقدار خمسة أضعاف على الزيادة في الطلب لعام 2017.
الأهم من ذلك أن معدل الانخفاض أعلى في القطاع الذي يعتبره كثيرون في الأسواق أنه المنتج المتأرجح المعول عليه لتلبية الطلب الجديد: النفط الصخري. حيث من الممكن أن ينخفض إنتاج بئر النفط الصخري بنسبة تصل إلى 50 في المائة في السنة الأولى، وبعد ذلك تبدأ وتيرة الانخفاض في التباطؤ مع تقدم عمر البئر. مع ذلك، فإن الإنتاج سيستمر بالانخفاض بمعدل أعلى بكثير من المتوسط العالمي للآبار التقليدية، بغض النظر عن الإطار الزمني الذي تم فحصه فيه.
لقد كان نمو إنتاج النفط الصخري كبيرا جدا، حيث ارتفع الإنتاج من 1.4 مليون برميل يوميا في عام 2007 إلى ستة ملايين برميل يوميا في عام 2017. ولكن حتى هذه الزيادة في إنتاج النفط الصخري التي تمثل أكثر من ثلاثة أضعاف الزيادة المطلقة في الإنتاج تتضاءل مقارنة بنمو معدل انخفاض الإنتاج في هذه الموارد. ففي عام 2007، قدر معدل تراجع آبار النفط الصخري بنحو 300 ألف برميل يوميا. وبعد عقد من الزمان، بلغ معدل التراجع نحو 4.3 مليون برميل يوميا، أي بزيادة قدرها 15 ضعفا. بمعنى آخر، قبل أن يبدأ إنتاج النفط الصخري الجديد تلبية 1.6 مليون برميل يوميا من نمو الطلب العالمي في عام 2017، على المنتجين أولا إضافة إنتاج جديد يعادل مجموع إنتاج دول أمريكا اللاتينية خارج "أوبك".
بالنسبة لشركات النفط يعني هذا أنه في الأوقات التي تكون فيها الأسواق متخمة بالإمدادات ـــ على ما يبدو أنها تنحسر الآن بالفعل ـــ عليها الالتفات إلى الآثار طويلة الأجل لتغير معدل تراجع الإنتاج، حتى أكثر في حالة عدة سنوات من الانخفاض أو عدم كفاية الاستثمار. وفي الوقت الذي تركز فيه الشركات استراتيجياتها على خطط التحول التي يشهدها نظام الطاقة العالمي وكيف يمكنها المنافسة، فإنها ستستفيد أيضا من التركيز على معدل تراجع إنتاجها مع إبقاء تكاليف الإنتاج منخفضة لتعويض هذا الانخفاض. أن تكون الشركات قادرة على مقارنة أدائها بأقرانها سيسمح لها بالحصول على صورة أشمل وأكثر اكتمالا لدور نمو الطلب لهذه الصناعة.

إنشرها