FINANCIAL TIMES

تقريع ترمب يدفع الصين إلى تحرير الرنمينبي

تقريع ترمب يدفع الصين إلى تحرير الرنمينبي

لم يكن الرئيس دونالد ترمب الأكثر نجاحا من كل الرؤساء السابقين، من حيث إحراز تقدم في جدول الأعمال التشريعي، خاصة فيما يتعلق بالنزاعات التجارية، وفي القلب من ذلك الصين.
ومع ذلك، فإن هنالك دلالات على أن توبيخ ترمب للصين على سياساتها التجارية التي يتصور أنها غير عادلة، قد يؤتي أكله فيما يتعلق بالضغط على بكين، للسماح بتعزيز قيمة الرنمينبي، ما يضعف الحجة القائلة إنها "متلاعبة بالعملة".
منذ مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، كان التراجع في مؤشر الدولار بنسبة 6.1 في المائة، وهو مقياس للقوة الواسعة التي يحظى بها الدولار مقابل عملات العالم المتقدم الأخرى، متطابقا مع الارتفاع نسبته 5.6 في المائة في قيمة الرنمينبي مقابل الدولار.
في حين أن هذا قد يبدو أمرا مملا، إلا أنه في الحقيقة أمر غير عادي. عندما انخفض مؤشر الدولار بنسبة 11.5 في المائة ما بين كانون الثاني (يناير) قبل الماضي وأيلول (سبتمبر) من عام 2017، على سبيل المثال، سمح للرنمينبي بالارتفاع بنسبة 7.6 في المائة مقابل الدولار، طوال العام ذاك.
مع ذلك فإن الأمر المدهش أكثر أنه عندما انخفض مؤشر الدولار بنسبة 7 في المائة ما بين كانون الثاني (يناير) الماضي وأيار (مايو) من عام 2016، سمح للرنمينبي بالارتفاع بنسبة 1.5 في المائة مقابل الدولار، لا غير.
أما في كانون الثاني (يناير) الماضي، فقد حقق الرنمينبي أكبر اندفاع له على مدى شهر واحد مقابل الدولار منذ عام 1980، أي في الأيام الأولى من انفتاح الصين على العالم في ظل الزعيم دينج كزياو بينج.
وقد استعاد الآن 91 في المائة من الخسائر التي مني بها مقابل الدولار، منذ انخفاض قيمته في تموز (يوليو) من عام 2015.
قال آيريس بانج، الخبير الاقتصادي لدى وكالة آي إن جي للصين العظمى: "ضعف الدولار اتجاه عالمي في الوقت الحالي وليس مقابل اليوان الصيني، فحسب. إن كان على الصين محاولة محاربة هذا الأمر، فإنها قد تقع في معضلة اعتقاد قد اقتصادات الدول الأخرى، أن الحكومة الصينية تستهدف البدء بحرب عملات أو حرب تجارية".
بسبب خلفية التحقيقات الأمريكية المستمرة في واردات الألمنيوم والصلب وتعامل الصين مع حقوق الملكية الفكرية في الولايات المتحدة، إضافة إلى التعديلات المحتملة على اتفاقية التجارة الحرة ما بين كوريا والولايات المتحدة.
يرى بول ماكيل، رئيس قسم البحوث في وكالة إي إم إف إكس التابعة لبنك إتش إس بي سي: "إن التحيز الحمائي للإدارة الأمريكية ربما يكون قد فرض بالفعل، وبشكل غير مباشر ضغطا على الدولار في آسيا. من الممكن تغاضي بعض صناع السياسة الآسيويين عن التقدير الثنائي للعملة مقابل الدولار، لدرء احتمال حصول احتكاكات تجارية مع الولايات المتحدة". ويأتي ثمة دليل آخر على وجود تغيير في مسار بنك الشعب الصيني "البنك المركزي"، الذي يشرف على العملة، من "التثبيت" اليومي للرنمينبي. نظريا، ينبغي أن يكون السعر الابتدائي في كل يوم لسعر صرف الدولار مقابل الرنمينبي دليلا لسعر الإغلاق في يوم التداول السابق، كما أن تحرك الدولار مقابل مكونات مؤشر البنك، مرجح تجاريا منذ الجلسة السابقة. ومن ثم يمكنه التداول ضمن نطاق 2 في المائة.
على الرغم من ذلك، غالبا ما يتدخل البنك المركزي لتحديد مستوى ثابت يختلف عن التثبيت الضمني. تشير البحوث التي أجريت من قبل وكالة يوني كريديت إلى أنه في آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) من عام 2017، عندما كان الدولار يقترب من نهاية فترة تراجعه السابقة، غالبا ما كانت "أخطاء" االتثبيت لدى بنك الشعب الصيني كبيرة، وكثيرا ما كانت قيمتها أكبر من فين (جزء من مائة رنمينبي، أو100 بيب بلغة السوق). شوهدت أخطاء مماثلة في الفترة ما بين آذار (مارس) وأيار (مايو) من عام 2016 عندما كانت قيمة الدولار آخذة في التراجع.
مع ذلك، كانت الأخطاء في هذه الفترة أقل، ما يشير إلى أن بنك الشعب الصيني، في كان أكثر استعدادا من أي وقت مضى للسماح للسوق بتحديد سعر الرنمينبي، بدلا من مقاومة تعزيز العملة.
قال كيران كوشيك، الخبير الاستراتيجي في وحدة مؤشر الأسواق الناشئة إف إكس لدى بنك يوني كريديت: "تبدو السلطات وكأنها مرتاحة نسبيا إزاء التحرك الحاد الأخير مقارنة بموقفها قبل ثلاثة أو أربعة أشهر".
"قد يكون السبب في ذلك هو عودة التوترات التجارية أخيرا مع الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة، مع تزايد الانتقادات من الولايات المتحدة حول قضايا حقوق الملكية الفكرية، وإغراق السوق بالصلب في الولايات المتحدة" حسبما أضاف.
يمكن الاعتقاد بأن الرنمينبي الأقوى أمر سلبي بالنسبة للاقتصاد الصيني، نظرا لأن ذلك ينطوي على أنباء سيئة بالنسبة للمصدرين.
على الرغم من ذلك، قالت شينا شاه، الخبير الاستراتيجي لدى بنك مورجان ستانلي، إنه كان عموما أمرا إيجابيا. نظرا لحجم الدين الكبير المقوّم بالدولار، الذي تواجهه المصارف الصينية وغيرها من الشركات الأخرى، قالت السيدة شاه: "إن الفوائد المالية لدولار أضعف تعود على قدرتهم على الاقتراض، فيما فاقت قوة الميزانية العمومية التأثير التجاري بشكل أكبر، وهو ما قدّم فائدة للنمو".
كما استشهد كوشيك أيضا بسبب آخر يبرر احتمال شعور بكين بالارتياح إزاء العملة الأقوى، ألا وهو: تدفقات الرساميل من الخارج.
أصبحت السلطات الصينية متوترة بشأن التدفقات منذ أن انخفضت احتياطيات الصرف الأجنبية في البلاد بنحو تريليون دولار إلى ثلاثة تريليونات دولار ما بين عامي 2014 و2016، وقد فرضت منذ ذلك الحين ضوابط رأسمالية أكثر صرامة في محاولة لوقف مغادرة الرساميل للبلاد، إضافة إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية في أسواق السندات والأسهم المحلية خاصتها.
قد يشجع كل من الرنمينبي الأقوى وتوقعات حصوله على مزيد من القوة والتعزيز المصدرين الصينيين على تحويل مزيد من إيراداتهم بالدولار إلى الرنمينبي، بحسب ما قال كوشيك، نظرا لأن سعر التحويل الحالي البالغة نسبته ما بين 60 إلى 65 في المائة. وفي حين أنه أعلى من المستويات المتدنية التي وصل إليها في عام 2016، لا يزال أقل من القاعدة الطبيعية طويلة الأجل التي تراوح ما بين 70 و75 في المائة. أيدت السيدة بانج في وكالة آي إن جي هذه الحجة، لكنها اقترحت أنه قد يتعين على بنك الشعب الصيني قريبا التأكيد على عودة الأموال الوفيرة، نظرا لوجود فرق واسع في أسعار الفائدة ما بين الصين والعالم المتقدم، وارتفاع قيمة الرنمينبي. ثمة جانب سلبي ألا وهو تأثير الرنمينبي الأقوى في بقية دول العالم. تشير التحليلات التي أجراها بو تشوانج، الخبير الاقتصادي المرموق في الصين لدى وكالة تي إس لومبارد، إلى أن أسعار صادرات الصين إلى الولايات المتحدة كانت آخذة في التراجع من حيث قيمة الدولار منذ عام 2011، أي من حيث الأسعار الحقيقية الثابتة. لقد كانت أسعار الصادرات ثابتة تماما العام الماضي، ونظرا للاندفاع اللاحق في قيمة الرنمينبي، اعتقد تشاونج أن أسعار الصادرات الصينية قد تخرج عن هذا المسار هذا العام، بحيث ترتفع بنحو 2 في المائة من حيث القيمة الدولارية.
نظرا للذعر الذي يسود السوق حاليا إزاء توقع ارتفاع التضخم، وبالتالي توقع تشديد نقدي أسرع في الولايات المتحدة، يجب عدم تجاهل الدور المحتمل للرنمينبي المنتعش، في دفع الأسعار إلى مستويات أعلى.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES