مراجعة كتاب «هوس النمو»

كتاب هوس النمو - الدخل الإجمالي القومي: هوس النمو، GDP: The Growth Delusion للكاتب ديفيد بلنق، David PIlling كاتب في "الفاينانشيال تايمز" ومراسلها السابق في آسيا. الكتاب ليس الأول ولن يكون الأخير في نقد فائدة أو طريقة حسابات الدخل القومي والاهتمام بنسب النمو فيه. لم أقرأ كل الكتاب، ولكن أجزاء منه وبعض النقد له. ينقد الكتاب هذا المعيار لقياس الأداء ومعه النموذج الغربي الذي يأخذ بالإنتاج والاستهلاك دون حدود كهدف. لعل الاختلاف عن الآخرين أنه يقدم بعض الاقتراحات، وكذلك شدتني درجة أهمية هذه الحسابات لحالتنا الاقتصادية في ظل محاولة التغيير. نقد كثير من الاقتصاديين والإحصائيين هذا المعيار منذ اختراعه على أثر الكساد الكبير والحرب العالمية حين احتاجت الحكومات إلى متابعة سعة الاقتصاد وقياس الأداء الجمعي.
من النقد أن هذا المعيار الشامل يفقد الدقة في قياس أداء الفعاليات المختلفة من أفراد وشركات، والآخر أن العوامل البيئية أصبحت مهمة ولكنه لا يشملها بل إن زيادة النمو تكون على حسابه غالبا، ومنها أنه لا يقيس جودة الحياة، وهناك نقد إحصائي أنه لا يشمل الأعمال المنزلية (مثل طبخ وتنظيف المنازل من قبل ربات البيوت)، ولكن هذه بدأت تتغير بحكم التغير في الإنتاجية على أثر الوجبات السهلة الإعداد والميكروويف. هذه الملاحظات ليست جديدة ولكن الاقتصاديين لا يعطونها حقها في القياس نظرا للصعوبات العملية، كما يقبلون صعوبة المقارنة الإحصائية بين الفترات المختلفة بسبب تغير تركيبة الإنتاج والاستهلاك وأيضا المقارنة بين الدول. كما أن هناك تحديات أخرى مثل تباطؤ الإنتاجية في كثير من الدول المتقدمة والحاجة لحلول جيدة تتعامل مع التحولات من الماديات للخدمات وسرعة انتقالها بين الدول.
تجربة الكاتب في الصين أخذته إلى مقابلة مخترع "GDP الأخضر" وعن عدم قدرته على إقناع صناع القرار بتبنيه، وهناك تساؤل آخر عن مدى الرفاهية المتوقع من خطوات رئيس الوزراء الياباني الجديدة بمشاركة أعلى للمرأة في العمل في ظل عدم الرغبة في الهجرة. ويتساءل أيضا عن التناقض بين انخفاض إنتاجية قطاع التجزئة في اليابان وجودة الخدمة مقارنة بالدول الغربية. الحياة جيدة في اليابان على الرغم من الركود والنمو البطيء على مدى ثلاثة عقود. ولكن مع هذه الحقائق يصعب إقناع الناس بالعدول عن المنتجات الجديدة والأكثر تعقيدا وتقدما ما يتطلب نموا وزيادة في الاستهلاك.
لابد من معايير إضافية مرادفة تستطيع قياس الأداء الجزئي والتوزيع ومستوى المشاركة المجتمعية ومراكز ومؤشرات مالية خاصة للأصول والموارد الطبيعية. في نظري أحد سبل المقارنة بين الدول يأتي في مقارنة دخل المعلم خريج الجامعة وعشر سنوات خبرة بين الدول مقوما بالدولار في السوق غير الرسمية، مستوى الدخل يعد معيارا موثوقا لمدى الرفاهية المادية في المجتمع مقارنة بالدول الأخرى خاصة في الدول النامية. في المملكة هناك صعوبات نظرية وعملية في قياس أرقام الدخل القومي خاصة كلما تمسكنا بالفصل الاصطناعي بين أرقام الدخل القومي النفطي وغير النفطي وعن عدم التركيز على حالة الإنتاجية وقياس التوزيع. إحدى الإيجابيات لدينا جاءت في تعديل الدعم على الوقود وأثره المتوقع في البيئة العامة في المدن، ولكن لابد من دراسات أكثر عمقا ودقة من الدوائر الأكاديمية والبحثية والجهات الحكومية ذات العلاقة.