Author

السعودية ضمن أكثر المستفيدين من الثورة الصناعية الرابعة

|

يتحدث الإعلام العالمي بكل أشكاله وأرقامه في هذه الأيام عن الثورة الصناعية الرابعة، وما ستحدثه من تغيرات وتطورات في حياة البشرية.
وبهذه المناسبة يؤرخ الاقتصاديون للثورات الصناعية فيقولون إن العالم الآن بدأ يخوض مرحلة الثورة الصناعية الرابعة بعد أن أنهى في عام 1760 الثورة الصناعية الأولى، وكان أهم إنجازاتها تحقيق تقدم كبير في صناعة المنسوجات، واكتشاف الآلة البخارية، واستخدام الفحم الحجري كمصدر لتوليد الطاقة قبل اكتشاف البترول الذي قلب كل موازين الطاقة ــ كما سنرى ــ في الثورة الصناعية الثانية.
وفي مرحلة الثورة الصناعية الثانية التي بدأت في عام 1840، التقينا مع إبداعات هنري فورد المتمثلة في خط الإنتاج الشامل، واستمرت حتى الحرب العالمية الأولى. وكان أهم إنجازات الثورة الصناعية الثانية اكتشاف الكهرباء التي غيرت حياة الناس وعاداتهم وفتحت أبواب الصناعة على مصاريعها، كذلك من أهم إنجازاتها صناعة النفط وصناعات الصلب وبناء السكك الحديدية، وصناعة السيارات والطائرات ومكائن الطباعة وانتشار الصحف والراديو والتلفزيون، ونوعت اقتصاديات البشرية ورفعت مستوى معيشتهم.
ثم دخل العالم في مرحلة الثورة الصناعية الثالثة عقب الحرب العالمية الأولى، وقد توجت هذه الثورة إنجازاتها باكتشاف الكمبيوتر والإنترنت، وتوظيفه في جميع مجالات الحياة، وقفزت الصناعة إلى الصناعة الرقمية التي تركز على التنويع الشامل في المنتجات وليس الإنتاج الشامل.
والآن يخوض العالم مرحلة الثورة الصناعية الرابعة، التي تبشر البشرية بالروبوتات، والنانو تكنولوجي، وتطبيق الطباعة الثلاثية الأبعاد في الصناعة والإنتاج.
ويصف العلماء الثورة الصناعية الرابعة بأنها ستكون تسونامي التقدم التكنولوجي، الذي سيغير كثيرا من تفاصيل الحياة البشرية فوق كوكب الأرض، وتهدد هذه الثورة الرقمية العلاقات الاجتماعية الحميمة بين البشر، وسترتبط العلاقات بين الناس على أجهزة الموبايلات، فضلا عن كون الفضاءات الإلكترونية أصبح الوصول إليها سهلا بعد أن كانت بعيدة المنال.
إن الاحتمالات غير محدودة أمام الاتصالات بين البشر عبر هواتفهم المحمولة التي لم يكن لها مثيل في سعة التخزين والوصول إلى المعرفة، وستتضاعف هذه الاحتمالات عن طريق الاختراعات التكنولوجية الجديدة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، وإنترنت الأشياء، والمركبات ذاتية الحركة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وتكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا الحيوية، والحوسبة الكمية. إن الذكاء الاصطناعي موجود اليوم في كل مكان حولنا من السيارات ذاتية القيادة، والطائرات المسيرة بدون طيار. ونلاحظ في رحلاتنا الطويلة أن قائد الطائرة يغادر مقعده ويدخل إلى كابينة الركاب موزعا ابتساماته عليهم، بينما الطائرة تسبح في مجالها الجوي من دون قائد يقودها، ولقد تم إحراز تقدم مثير للإعجاب في حقل الذكاء الاصطناعي، حيث تم الوصول إلى البصمة الوراثية واكتشاف أدوية جديدة تقضي على كثير من الأمراض المستعصية التي عصفت بالجنس البشري طوال الدهور الماضية، وفي الوقت نفسه، فإن تكنولوجيا التصنيع الرقمية تتفاعل مع عالمنا البيولوجي بشكل مستمر، كذلك فإن الثورة الصناعية الرابعة توفر فرصا واسعة للمجتمعات البشرية كي تحقق معدلات عالية من التنمية الاقتصادية والإنسانية بتكاليف إنتاجية أقل بكثير من تكاليف الثورات الصناعية السابقة. وكذلك من الإيجابيات الأخرى للثورة الصناعية الرابعة توفير رعاية صحية أفضل للإنسان، أهمها أنها توفر في الموبايل عمليات تحليل الدم والبول وقياس الضغط، وإلى غير ذلك من المعلومات التي يحتاج إليها الطبيب عن مريضه في الحالات الحرجة.
وستحتل الحرب الإلكترونية محل الصدارة في الثورة الصناعية الرابعة، حيث إن الحروب ستدار عن بعد وبأقل خسارة ممكنة في البشر.
وفي آخر مقابلة أجريت مع يوفال نواه هايراري المتخصص في علوم المستقبل قال أمام الحضور في منتدى دافوس الأخير: إن البشرية ذاهبة على قدميها إلى عالم رهيب ومخيف عندما تندمج ثورة عالم تكنولوجيا المعلومات مع ثورة التكنولوجيا الحيوية وتصبح قادرة على اختراق جسم الإنسان وقراءة كل ما يدور بخلده وخواطره، أي لن تكون هناك أسرار يبطنها الإنسان. وواصل هايراري كلامه بأن الاختراع الرئيس الذي يجعل الاندماج بين تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية ممكنا هو جهاز الاستشعار البيولوجي الذي يمكنه قراءة بصمات الأصابع على سبيل الافتراض.
وإضافة إلى ذلك فإن الثورة الصناعية الرابعة ستربط خدمات المدن الكبيرة ومرافقها العامة بالإنترنت ما سيحقق مزيدا من الرقابة وتوفير الطاقة وتسهيل حركة النقل، بل أكثر من هذا فإن العلماء يؤكدون أنه بحلول عام 2025 ستظهر في العالم المدن الخالية من إشارات المرور، ومواقف السيارات الخالية من اللصوص.
ولكن مع كل هذه الإيجابيات التي سينعم بها الإنسان من خلال ابتكارات الثورة الصناعية الرابعة، فإن أخطر السلبيات التي يمكن أن تواجهها المجتمعات الإنسانية انتشار البطالة على نطاق واسع، ويقدر الاقتصاديون بأن أتمتة الصناعة من شأنها أن تقلص فرص العمل في الطبقة الدنيا والوسطى إلى نحو 50 في المائة، بل يُخشى أن تؤدي الثورة الصناعية الرابعة إلى هيمنة الشركات الكبرى واضمحلال دور الشركات المتوسطة والصغيرة في الناتج القومي المحلي. وحتى لا نذهب بعيدا فإن الصين شهدت انخفاضا ملحوظا في معدل مساهمة الأيدي العاملة في إجمالي الناتج المحلي بسبب استخدام التكنولوجيا الحديثة بدلا من الأيدي العاملة، ونستطيع القول إن الروبوتات تهدد الوظائف التقليدية، حيث إنه بحلول 2020 سيفقد نحو خمسة ملايين عامل فرص عملهم بسبب التطور السريع في التكنولوجيا وتطبيقاتها العملية.
ووفقا للمخرجات المتوقعة من برامج رؤية السعودية 2030، فإن السعودية لن تكون كالصين، بل سوف تستفيد السعودية من الثورة الصناعية الرابعة، لأننا نعاني نقصا ملحوظا في الأيدي العاملة، بينما الصين ــ على عكس ذلك ــ تعاني زيادة ملحوظة في الأيدي العاملة، ولذلك تضررت الصين من التوسع في استخدام تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة، أما السوق السعودية فإنها في حاجة ماسة إلى التوسع في استخدام تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة، وقبل ذلك تحتاج السوق السعودية إلى تمكين الشباب السعودي من التدريب العميق على تقنية المعلومات التي تزخر بها الثورة الصناعية الرابعة، وبذلك ستكون السعودية ضمن أكثر المستفيدين من الثورة الصناعية الرابعة التي تعد شباب المملكة بكثير من الأخبار السارة والمستقبل الواعد والزاهر.

إنشرها