default Author

الاستثمار في أبناء المستقبل

|
كانت في السابعة من العمر عندما نجت في ليلة مرعبة. تم وضع علامة على منزلها في نيجيريا قبل أن يتعرض لهجوم في تلك الليلة، بسبب انتمائها لمجموعة عرقية "مستهدفة". كانت صديقتي وباقي أفراد أسرتها على وشك الموت، إلا أنها نجت. فقد حذر جيرانها الذين لاحظوا العلامة أسرتها وساعدوهم على الفرار، في وقت كان فيه جيرانهم الآخرون يعدمون بل يحرقون أحياء. في تلك الليلة، شاهدت صديقتي رجلا يموت في ظروف عنيفة للغاية، كانت الصدمة هائلة لدرجة أنها فقدت النطق لمدة أسبوعين. وعلى مدى عقدين فيما بعد، لم تعد في خطر، واستطاعت الآن بناء حياة جديدة. بينما كنا نجلس لنستمع إلى أمها وهي تعيد سرد شريط الأحداث التي وقعت في تلك الليلة، أدركت صديقتي أن الأم نسيت أغلبها. والآن، وكفتاة يافعة تعيش في الولايات المتحدة مع أسرتها، أصبحت في أمان، يساعدها على أن تعيد سرد تفاصيل ما حدث. ولحسن الحظ، فإن الذاكرة انتقائية، ما ساعد صديقتي على نسيان هذه التجربة المؤلمة حتى تمكنت من تجاوزها. أجد من المذهل أن أرى كيف يساعدنا العقل البشري على النجاة من تجارب مؤلمة أو أزمات ليحولها إلى مزايا تساعدنا على النجاح في المستقبل. "الضربة التي لا تقتلك تقويك"، فكيف أجد أفضل من هذا وصفا لقدرتها على التكيف؟ وفقا لدراسة أجرتها جامعة ييل ونشرت أخيرا عن صغار ضحايا الصراعات، فإن مسيرة إعادة بنائهم تتباين، حسب قدراتهم على التكيف. فالأكثر قدرة على التكيف، سيكون قادرا على اقتناص الفرص، كمتابعة الدراسة، كما وجدت أن المستويات الأعلى للتكيف تقترن بضغوط أدنى ومشكلات أقل في الصحة الذهنية. تتوقف قدرة المجتمعات المحلية على الصمود على قدرة الشباب على التكيف، فعندما يكون هؤلاء الشباب والشابات قادرين على تطوير قدراتهم، فإن الآفاق تتحسن أمام الجميع، وتتراجع معدلات الفقر. ووفقا للأمم المتحدة، كان هناك 1.2 مليار شاب في العالم قبل ثلاث سنوات تقريبا تراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما، أي ما يعادل واحدا من بين كل ستة أشخاص في العالم، وهذه الأرقام في تزايد كل عام، خاصة في البلدان النامية التي يشكل الشباب في عديد من مناطقها 30 في المائة من السكان. إن الخيارات التي يقررها الشباب هي التي تحدد حجم وصحة ورخاء سكان العالم مستقبلا. وللشباب احتياجات كثيرة ملحة. ومع هذا، فإننا في حاجة إلى نقاش اقتصادي أكثر قوة وتماسكا للاستثمار في الشباب. من الكوارث الطبيعية، إلى الصدمات الاقتصادية، فتكدس المدن، أو الأزمات الصحية، تساعد مجموعة البنك الدولي البلدان على توقع وتخفيف المخاطر التي قد تتعرض لها التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تلك البلدان، بمعنى آخر، تساعدهم على زيادة قدراتهم على التكيف. إن تعرض الأطفال والمراهقين للخطر هو من العلامات البارزة على ضعف البلاد، وسيجد الجيل المعرض للخطر أن من الصعوبة بمكان النهوض من جديد في حال الأزمات. من هنا تأتي أهمية وضع الحلول حتى لا تُبدد قدرات الشباب. ويمكن أن يؤدي إحباط تطلعات الشباب إلى إثارة المشكلات في المجتمعات، وإلى عجز البلاد عن المنافسة في الاقتصاد العالمي إذا لم تستثمر فيهم. ولذا، فإن جمع بيانات أكثر وأفضل عن المراهقين أمر مهم أيضا للقيام بهذه الاستثمارات، كما يمثل نقص المعلومات الموثوقة عن تأثير عديد من الاستثمارات في الشباب أكبر فجوة في المعلومات. بالنسبة إلى الشباب الذي يكبر وهو يتعامل مع الأزمات، قد يعتقد المرء أن الأمر يصل إلى أنه يشاهد كل أحلامه وهي تتهاوى أمامه، بيد أن هذا قد يكون خطأ كبيرا، إذ ينبغي ألا ننسى أن البشر يتمتعون بقوة غير عادية، أي قدرة فريدة على "التغلب على الأشياء" كي يكونوا قادرين على التكيف.
إنشرها