Author

ضريبة القيمة المضافة بعد شهر من التطبيق

|
أمضينا حتى الآن شهرا كاملا من بداية تطبيق ضريبة القيمة المضافة. أعتقد أن المشهد يستحق التوقف عند أربعة أطراف رئيسة هي: هيئة الزكاة، المنشآت، المستشارون، والمستهلكون. كل طرف منها لديه على الأقل إنجاز ومجموعة من التحديات التي لم ينته بعد من مواجهتها. السؤال المهم في هذا السياق، هل تم تحقيق الهدف من التفاعل مع هذا التغيير أم لا؟ وإذا كان التغيير لا يزال في مراحله الأولية، فهل تتجه الظروف وردات الفعل نحو تحقيق الهدف الاقتصادي المنتظر من هذه الأداة الضريبية؟ تصعب الإجابة عن هذا السؤال في الوقت الحالي، ولكن التوقف من وقت لآخر لملاحظة التطورات له فائدة كبرى تبعدنا على الأقل عن مخاطر الاندماج في التنفيذ بطريقة مبالغ فيها ونسيان الهدف الأساس الذي وضع تطبيق مثل هذا من أجله. لا ينكر أحد أن ما قامت به هيئة الزكاة حتى اليوم في ملف ضريبة القيمة المضافة يعد تطورا مذهلا، عطفا على أداء الجهاز سابقا في مهامه الأخرى. سرعة خروج التنظيمات والشروحات ومستوى التفاعل الذي حظي به البعض فعلا غير معتاد. إضافة إلى ذلك، تنوعت طرق التفاعل مع مطبقي النظام بشكل غير مسبوق سواء في شكل ورش عمل أو مقاطع فيديو أو تقارير مختصرة. ولكن هذا يجب ألا يشوش علينا واقع الخسائر التي تنال عديدا من الأطراف. تحصل هذه الخسائر بسببين: الأول، عدم وضوح الإجراء المعتمد لبعض الحالات، خصوصا الحالات الخاصة بصناعات وقطاعات محددة، وهناك تقريبا في كل قطاع مجموعة من الحالات التي لم تعالج بعد. السبب الثاني يرتبط بالأثر الاقتصادي السلبي في قطاع ما أكثر من غيره؛ وذلك لأن المتطلب النظامي كان موحدا دون أخذ الاختلافات القطاعية في الاعتبار. لا أعتقد أن هيئة الزكاة قامت بدراسة الأثر المحتمل لهذه الخسائر قبل تدشين النظام لضيق الوقت، ولكن اليوم الوضع ملح بشكل أكبر لاتخاذ كثير ومزيد من القرارات التي تقلل من هذه الآثار في مختلف القطاعات. الطرف الثاني المهم في معادلة القيمة المضافة تمثله المنشآت بجميع أنواعها، وهذا يشمل المؤسسات والشركات والجهات الأخرى الحكومية وغير الحكومية المتأثرة بالنظام، والرابط الأهم هنا هو: الفهم ثم الجاهزية. لا جاهزية بلا فهم ولا فائدة من الفهم من دون جاهزية للتطبيق. الوضع في اعتقادي متفاوت جدا؛ فهناك من تمكن من السيطرة على رصد واحتساب وتبليغ العملاء بمتطلبات ضريبة القيمة المضافة، إذ تجاوز المراحل الخطرة ولم يتبق له اليوم إلا التقرير عن ذلك وسداد المستحق بشكل نظامي؛ ولكن على الجانب الآخر هناك من الجهات التي لا تزال في فوضى الفهم والتطبيق، تشويش وتأخر واضطراب، وربما تواجه خسائر محتملة وصراعات مع العملاء بسبب سوء الإدارة أو تعقيد وتنوع المنتجات. لهذا استغل بعض هؤلاء الوضع تسويقيا وتحمل الضريبة بشكل مؤقت. المُشاهد هنا أن الفهم سيتحسن باستمرار خصوصا ما يخص سلوكيات العملاء. هي مرحلة مؤثرة ستخرج منها معظم الأعمال ببعض الخسائر وربما بعضها بالمكاسب، وبعضهم قد يخرج من السوق بالكلية. الطرف الثالث يشمل جمع المستشارين الذين يسهمون بمعرفتهم ومهاراتهم في العملية الانتقالية نحو التطبيق الكامل. محليا سيطر على النشاط الاستشاري الضريبي مكاتب المحاسبة والمحاماة وبعض الشركات التقنية والخدمية. وبالطبع لم تكن القدرات المحلية كافية لاستيعاب الطلب على مشاريع التطبيق، لذا أسهمت أسواق المنطقة والعالم في تنشيط هذه الخدمة الجديدة نسبيا. الوضع بالنسبة للسوق الاستشارية الضريبية إيجابي، ولكن المشكلة أن سرعة التطبيق جعلت نقل المعرفة عملية صعبة، ولم يكن الوقت كافيا لتأهيل الأفراد بشكل جيد. ستستمر سوق التطبيق والاستشارات الضريبية التأسيسية لسنوات قليلة وستستمر بعد ذلك خدمات الالتزام الضريبي. من المهم أن تسهم الهيئات المهنية التي ترعى هؤلاء المستشارين وتحسن تفاعلها مع الجهات النظامية والتعليمية (الجامعات مثلا) للاستفادة من التجربة وصنع قاعدة جيدة لمهنة جديدة وحيوية. الطرف الأخير والأهم في تلقي الضريبة هو المستهلك النهائي. ستكون النتائج المالية المباشرة مؤثرة في ميزانية عدد كبير من المستهلكين، ولكنها قابلة للإدارة والتخطيط. المشكلة في نظري أن التجاوب مع التغيير قد يصبح تجربة مزعجة جدا خصوصا عندما يغير بعض البائعين من نماذج عملهم أو خيارات منتجاتهم استجابة للتأثير الضريبي. سيتأثر المستهلك النهائي كذلك بسوء تطبيق الضريبة وبفساد البائع إن حصل. الأمر الإيجابي أن الوعي الضريبي ـــ والثقافة المالية ـــ في تصاعد جذري وهو أمر ملاحظ على الرغم من انتشار كثير من الاشتباهات والتداخلات في فهم آلية عمل الضريبة. ليس من المطلوب أن يفهم كل مستهلك كيف تعمل ضريبة القيمة المضافة في جوهرها، الأهم في نظري أن يفهم أثر التكلفة الإضافية في مصروفاته وأن يستعد لها بشكل جيد ضمن مخططاته.
إنشرها