Author

التحدي الرئيس أمام ارتفاع أسعار النفط

|

من المحتمل أن ينحسر ارتفاع أسعار النفط نتيجة النمو الكبير في إمدادات النفط الصخري في الولايات المتحدة خلال عام 2018، كما أن المكاسب الكبيرة في إنتاج النفط في كندا والبرازيل ستفاقم أيضا من وفرة العرض. في هذا الجانب، اعترفت الوكالة الدولية للطاقة في تقريرها الشهري الأخير عن أسواق النفط بأن الارتفاع الأخير في أسعار النفط جاء في أعقاب تشدد كبير في الإمدادات، على الرغم من ذلك لا يزال العرض يمثل تحديا كبيرا للأسواق.
الارتفاع في أسعار خام بحر الشمال برنت إلى 70 دولارا للبرميل يعود جزئيا إلى بعض الانقطاعات غير المتوقعة في الإمدادات والتوترات الجيوسياسية، بما في ذلك احتمال تفكك الاتفاق النووي الإيراني وإغلاق خط أنابيب في حقل بحر الشمال "فورتيزي" قبل أسابيع، وتعطل بعض الإمدادات في ليبيا، والانخفاض الحاد في إنتاج النفط الفنزويلي. مخزونات النفط مستمرة أيضا في الانخفاض (على الأقل في الوقت الحالي)، بل حتى تراجعت أكثر في نهاية العام الماضي. في هذا الصدد، قالت وكالة الطاقة الدولية إن المخزونات التجارية لمنظمة التعاون التجاري والتنمية قد انخفضت بمقدار 17.9 مليون برميل في تشرين الثاني (نوفمبر)، وهو معدل أسرع مرتين من معدل الخمس سنوات. وتشير البيانات الأولية لشهر كانون الأول (ديسمبر)، إلى أن الانخفاضات كانت أقوى.
في الواقع، انخفضت مخزونات النفط في ثلاثة أرباع متتالية في عام 2017. وفي المتوسط، انخفضت المخزونات بمعدل 630 ألف برميل يوميا، وهو ما قالت عنه وكالة الطاقة الدولية إنه انخفاض استثنائي. "مثل هذا الانخفاض لثلاثة أرباع في سنة واحدة حدث نادرا في تاريخ الصناعة الحديث: ومن الأمثلة على ذلك عام 1999 (تضاعفت الأسعار)، حيث ارتفعت الأسعار في ذلك العام بنحو 20 دولارا للبرميل، وعام 2013 الذي ارتفعت فيه الأسعار بمقدار ستة دولارات للبرميل". في الوقت الحالي تراجع المخزونات أدى إلى ارتفاع أسعار خام برنت بنحو 25 دولارا للبرميل. وتشير البيانات إلى أن أسواق النفط العالمية تتشدد بشكل واضح.
على هذا الأساس، فإن الأمر ليس كما لو أن الزيادة في مراكز صناديق التحوط وغيرها من مديري الأموال غير مبررة ـــ فالأساسيات الأساسية تشير إلى تشدد حقيقي في الأسواق الفعليةPhysical Markets للنفط الخام.
ومع ذلك، الإمدادات المتزايدة من الولايات المتحدة والدول الأخرى غير الأعضاء في منظمة أوبك تهدد بإيقاف هذا الارتفاع في الأسعار. وقد رفعت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها لنمو إنتاج النفط الأمريكي هذا العام من 870 ألف برميل يوميا إلى 1.1 مليون برميل يوميا. يأتي ذلك التنقيح في أعقاب مراجعات صعودية حادة من قبل إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ومنظمة أوبك، ناهيك عن عدد كبير من المصارف الاستثمارية. الجميع يتفقون على شيء واحد وهو: أن النفط الصخري في الولايات المتحدة هو مصدر نمو جدي، أكثر بكثير مما توقع المحللون قبل شهر واحد فقط. تتكشف قصة الإمدادات الكبيرة لعام 2018 بسرعة في الأمريكتين. حيث إن النمو الكبير في الولايات المتحدة والمكاسب الكبيرة في كندا والبرازيل سيفوق بكثير الانخفاضات الحادة المحتملة في فنزويلا والمكسيك.
وفي وقت قريب جدا من الممكن أن يتجاوز إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة إنتاج السعودية وينافس روسيا أيضا. تنتج روسيا حاليا أكثر من 11 مليون برميل يوميا. توقعت وكالة الطاقة الدولية في وقت سابق من هذا الشهر أن الولايات المتحدة ستتجاوز 11 مليون برميل يوما بحلول نهاية عام 2019.
ولكن ليس فقط الولايات المتحدة تضيف إمدادات جديدة إلى الأسواق. فمن المتوقع أن تحقق البرازيل وكندا وهما غير أعضاء في منظمة أوبك مكاسب قوية، على الرغم من أنه على عكس النفط الصخري الذي يعتبر قصير دورة التطوير، فإن لدى البلدين مشاريع ستبدأ بالإنتاج تم التخطيط لها منذ سنوات.
وحتى بعد الآخذ بنظر الاعتبار بعض الانخفاضات المهمة في إنتاج كل من المكسيك والصين، إلا أن إنتاج الدول غير الأعضاء في منظمة أوبك قد يرتفع بمقدار 1.7 مليون برميل يوميا في عام 2018، وهو رقم يمثل عودة إلى الأيام العصيبة بين 2013 و 2015، عندما كانت الولايات المتحدة تقود معدل نمو 1.9 مليون برميل يوميا.
وبالنسبة للذين يتوقعون ارتفاعا كبيرا في الأسعار، ينبغي أن يكون هذا الرقم في الإمدادات تهديدا كبيرا لأن الطلب من المتوقع أن ينمو بمقدار 1.3 مليون برميل يوميا هذا العام. وتقر الوكالة الدولية للطاقة بأن تقديراتها للطلب العالمي على النفط يمكن أن تكون متحفظة، ولكنها تأخذ في الاعتبار حقيقة أن بعض الضعف في الطلب يمكن أن يحدث نتيجة لارتفاع الأسعار. وتتوقع منظمة أوبك أن ينمو الطلب بمعدل 1.5 مليون برميل يوميا، ولكن حتى هذا الرقم قد يجابه 1.7 مليون برميل يوميا من العرض الجديد.
ويمكن أن تكون النتيجة عودة إلى الزيادات في المخزونات، واختبار الارتفاع الحالي في الأسعار. وترى معظم التوقعات فائضا متواضعا في الإمدادات في النصف الأول من العام، يليه عجز متواضع في النصف الثاني. وعلى هذا النحو، تبدو التنبؤات التي تراوح بين 60 و70 دولارا للبرميل لخام برنت معقولة، ولكن علينا أن نتوقع سنة متقلبة في الأسعار. أما الآن، فإن أسعار النفط تكافح من أجل التمسك بمكاسبها ـــ فقد تجاوزت أسعار خام برنت عتبة الـ 70 دولارا للبرميل، ولكنها تتذبذب صعودا وهبوطا حول هذا المستوى.

إنشرها