السياسية

الهند في إفريقيا .. التوسع بعيدا عن مظلة الغرب

الهند في إفريقيا .. التوسع بعيدا عن مظلة الغرب

تُعد الهند من القوى العالمية الناشئة التي ينتظر أن يكون لها تأثير في الساحة العالمية في المستقبل المنظور، ما جعلها لا تدخر جهدا في سبيل تحقيق هذا الحلم القديم نسبيا. لكن تموقع الهند في محور دول عدم الانحياز، بعيدا عن المعسكرين الغربي والشرقي، حال عائقا دون ذلك في زمن ساد فيه الاصطفاف.
عملت الهند على تدارك هذا الأمر مبكرا، لكنها لم تنجح في ذلك إلا في السنوات الأخيرة مستغلة التقلبات التي تشهدها موازين القوى الكبرى على الصعيد العالمي. خصوصا، بعدما حققت نموا اقتصاديا سريعا؛ فالاقتصاد الهندي من بين أسرع الاقتصادات نموا في العالم، منذ بداية العقد الأخير من القرن الماضي، بفضل تنامي صناعته؛ وعلى وجه التحديد مجال تكنولوجيا المعلومات، إذ تزايدت القدرات التنافسية للهند في هذا المجال على المستوى الدولي.
على هذا الأساس، وضعت نيودلهي القارة الإفريقية نصب أعينها، على اعتبار أن هذه الأخيرة كانت ولا تزال منطقة نفوذ بين القوى الكبرى، لما يُعقد عليها من رهان في المستقبل، نظرا لموقعها الاستراتيجي، ومخزونها من الموارد الطبيعية، وتحولها لسوق استهلاكية كبيرة.
شهدت السياسة الهندية تجاه هذه القارة تحولا نوعيا، في العقود الأخيرة، مكن الهند من لعب أدوار محورية استطاعت من خلالها منافسة القوى الكبرى المتصارعة في القارة، باعتمادها استراتيجية تستند إلى ثلاث وسائل، هي: سياسة القمم، ودعم التجارة مع الدول الإفريقية، وتوسيع الاستثمارات الهندية في عديد من المجالات.
تفيد المصادر التاريخية بأن العلاقات الهندية الإفريقية ضاربة في القدم، وما يدل على ذلك هو العلاقات التجارية القديمة لبلاد الهند مع عدد من البلدان والقبائل، على امتداد هذه القارة، عبر طريق الحرير الذي كان يربط القارة الآسيوية بالقارة الإفريقية.
أضافت الهند إلى هذا التاريخ العريق إلى مواقفها الشجاعة في مساندة تحرر شعوب القارة الإفريقية؛ فقد كانت سندا رئيسا للكثير من الحركات السياسية المناهضة للاستعمار الغربي. وأثارت قضية التمييز العنصري بجنوب إفريقيا في أروقة الأمم المتحدة عام 1946. وكانت من أوائل الموقعين على المعاهدة التي أقرتها الأمم المتحدة عام 1962، لإنهاء كل أوجه التمييز العنصري، كما أسهمت في الكثير من الصناديق المالية لمساندة التحرر الإفريقي. لتقوية علاقاتها وتأكيد حضورها في شرق وغرب وجنوب القارة الإفريقية.
تاريخيا دائما، كانت لأزمة الحدود بين الهند والصين عام 1962 دور كبير في تنبيه الهند إلى أن ضعف وزنها في القارة الإفريقية، لذلك علمت بنشاط على مناهضة الاختراق الصيني لإفريقيا، ما أدى إلى إطلاق برنامج التعاون الاقتصادي والتقني الهندي الإفريقي عام 1963، الذي كان -ولا يزال إلى اليوم-، إحدى الركائز الأساسية للاختراق الهندي للقارة الإفريقية.
اعتمدت الهند؛ إلى جانب هذا البرنامج، على العنصر البشري في غزوها للقارة السمراء، حيث تقدر بعض الإحصائيات الجالية الهندية في إفريقيا بنحو ثلاثة ملايين نسمة (أوغندا، كينيا، مدغشقر، جزر القمر، جزيرة موريشيوس...). وهو ما يمثل نحو 10 في المائة من مجموع الجالية الهندية بالخارج؛ فعدد الهنود في دولة مثل جنوب إفريقيا يصل إلى أزيد 1.5 مليون نسمة.
حرصت الهند على تنويع مداخل الاختراق، فأحيانا تقدم المساعدات المالية والفنية لكثير من بلدان القارة الإفريقية. وتعمد في أحيان أخرى، إلى استصلاح الأراضي الزراعية في بعض البلدان، خصوصا في إفريقيا الشرقية. علاوة على مشاركتها في عمليات حفظ السلام الدولية، المنتشرة ببعض البلدان بهذه القارة (سيراليون، السودان، الصومال، الكونغو الديمقراطية، الكوت ديفوار، جنوب السودان، ليبيريا).
بذلك تؤكد الهند عزمها على الانخراط، في الصراع الدولي المحموم لغزو هذه القارة، بحثا عن المواد الطبيعية واقتحاما للأسواق، قصد تأمين التطور الاقتصادي الذي عرفته الهند خلال العقدين الأخيرين.
وقد تحقق ذلك، فالأرقام التي أعلنتها الأمم المتحدة عن هذا البلد، تفيد بأن صادرات الهند ازدادت بين سنتي 2003 و2007 بمعدل وسطي بلغ 23.3 في المائة سنويا، وارتفعت وارداتها أيضا بمعدل 29.3 في المائة. واتصفت تجارتها بالتنوع الشديد؛ ففي سنة 2007 كان مصدر 70 في المائة من وارداتها 23 بلدا شريكا، وتقاسمت 25 دولة أكثر من 80 في المائة من صادراتها.
يجمع الخبراء على أن هذه المنهج البراغماتي الذي يعطي الأولوية للتجارة والاستثمارات كان السبب في تحقيق هذه النتائج، إذ لو بقيت الهند مخلصة للاعتبارات الأيديولوجية التي حكمت علاقاتها بهذه القارة إبان فترة الحرب الباردة، لما أضحت ضمن زمرة الكبار ممن يتنافسون على غزو هذه القارة.
ليس ذلك فحسب، وإنما الحرص على الوجود والحضور الدائم في هذه القارة، بالوفاء لتنظيم دورات المنتدى الهندي-الإفريقي (2008 و2011 و2015). فالهند تنتظر إلى إفريقيا باعتبارها خزانا مهما للموارد الطبيعية للصناعات الهندية؛ ومصدرا لنحو ثلث احتياطي الثروات المنجمية في العالم.
تفيد لغة الأرقام بأن حجم التبادل التجاري بين الهند وإفريقيا قفز بنسبة تجاوزت 130 في المائة خلال سبع سنوات فقط، إذ وقف عن حدود 30 مليار دولار عام 2008، قبل أن يتجاوز 70 مليارا عام 2015. وبلغ حجم الاستثمار الهندي المباشر في إفريقيا 13.6 مليار دولار، ما يمثل 16 في المائة من الاستثمار الأجنبي الهندي المباشر في الخارج، وبذلك تتحول إفريقيا إلى ثاني أكبر مقصد للاستثمار الأجنبي الهندي المباشر في الخارج.
بعيدا عن لغة الأرقام والإحصائيات والنسب، يبقى أهم درس يمكن للبلدان العربية والثالثة أن تستخلصه من التجربة الهندية في القارة الإفريقية، هو إمكانية الصعود وبلوغ مرحلة تسمح بمناكفة القوى الكبرى متى اجتمعت الإرادة السياسية بالإرادة الشعبية، فالهند على غرار معظم البلدان المتخلفة اليوم كانت ضحية نهب واستغلال الاستعمار الغربي. فيما تبقى أهم رسالة تبعثها الهند للغرب هي عبر عنها الأكاديمي البرازيلي كارلوس ر س ميلاني في صيغة سؤال من خلال مشاركة ضمن كتاب "أوضاع العالم 2011" بقوله: هل تغير القوى الناشئة النظام العالمي؟

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من السياسية