FINANCIAL TIMES

منجم إسكندنافيا يقاوم وباء المرض الهولندي بضبط الوفرة

منجم إسكندنافيا يقاوم وباء المرض الهولندي بضبط الوفرة

أنيتا كروهن تراسيث، الرئيسة التنفيذية لهيئة التطوير في النرويج المعروفة باسم
"إنوفيشن نورواي". هي طفلة نفطية، إن جاز التعبير: ولدت في عام 1971، العام الذي بدأ فيه ضخ النفط من حقل إيكوفسك في بحر الشمال.
تقول: "لننظر إلى جيلي. نحن لا نعرف ما تعنيه أزمة وطنية. لقد نشأنا مع النفط والثروة".
يتم ترك البوابات مفتوحة في شبكة أوسلو التي لا تشوبها شائبة من مترو الأنفاق والترام. ربما هذا لأنه يُمكن الوثوق بالنرويجيين لدفع الأجور العالية، أو ربما لأن المدينة غنية بما فيه الكافية، على أية حال.
إنها مشكلة وفرة، لكنها مشكلة على الرغم من ذلك. هذا الأسبوع هو "أسبوع ابتكار أوسلو"، وهو تجمّع لشركات ناشئة في مجال التكنولوجيا، وأصحاب رؤوس الأموال المغامرة وشركات نرويجية مثل شتات أويل، شركة النفط والغاز المملوكة للدولة. الموضوع هو أومستيلنج أي "التحويل"، اسم التحوّل الناشئ للنرويج، حتى تعيش بدون صناعة طاقة تجلب لها الثروة والرفاهية منذ 45 عاماً.
يتساءل البعض، لم العجلة؟ مواطنوها البالغ عددهم 5.2 مليون نسمة هم من بين الأكثر في بحبوحة العيش في العالم، حيث تبلغ حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 75 ألف دولار.
صندوقها من الثروة السيادية المموّل من النفط، الذي تم إنشاؤه في عام 1990 للمساعدة على تجنّب "المرض الهولندي" - متلازمة ثروة الموارد التي ترفع العملات الوطنية وتُضعف قطاعات أخرى - يساوي 880 مليار دولار. احتياطياتها من النفط والغاز من المتوقع أن تدوم لمدة نصف قرن آخر.
المشكلة هي أن النرويج مرتاحة أكثر من اللازم. يتطلب الأمر أزمة لجعل معظم الناس يُغيّرون طرقهم بشكل جذري أو أن يعدّل الاقتصاد الطريقة التي يعمل بها. مهما كان رأينا بشأن مغادرة بريطانيا، هي واحدة من تلك الأزمات. في الوقت الحالي، النرويج لديها مؤسسات فكرية وحاضنات ابتكار رسمية أكثر من ريادة الأعمال.
تعرضت النرويج إلى صدمة نوع ما في العامين الماضيين. الشريط الإلكتروني على جانب أحد مصارف أوسلو لا يُظهر سوى سعر خام برنت، أفضل دليل للسلامة المالية في البلاد. انخفاضه منذ عام 2014 ألحق الضرر بالميزان التجاري في النرويج، وجعل الحكومة تسحب من رأسمال صندوق الثروة السيادية مبلغ 27.7 مليار دولار، أي 5330 دولارا لكل مواطن، لسد الفجوة في موازنتها في العام المالي المنتهي.
علامة أخرى على الإجهاد هي توصية من قِبل لجنة من الخبراء بأن صندوق الثروة السيادية ينبغي أن يستثمر أكثر في الأسهم، من أجل اتّخاذ مخاطر مالية أعلى لرفع المعدل المتوقع من العوائد. الانخفاض العالمي في عوائد السندات، يعني أن ثروة الطاقة في النرويج لن تكسب القدر الذي توقعه شعبها فيما مضى.
صندوق النفط نموذجي من عدة جوانب: من خلال إخراج الثروة إلى حد كبير من أيدي الحكومة وتوجيهها إلى الاستثمار في الخارج، تجنّبت النرويج أسوأ حالات المرض الهولندي، لكنه يزيد من شعور البلاد بوجود حماية ضد التغيير: وجود الصندوق بحد ذاته يُمدد موعده النهائي لإعادة تشكيل الاقتصاد.
المواطنون أيضاً محميون. حيث تُخصص الحكومة ما يُعادل 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي "في البر الرئيسي" - الناتج من اقتصاد غير الطاقة - للعوائد الاجتماعية، ويعمل النرويجيون 80 في المائة من متوسط الساعات في البلدان التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ما يُعادل يوما واحدا أقل في الأسبوع.
قطاع الطاقة يتلقّى أجر عاليا ومُجرياً، لكن نمو الإنتاجية في أماكن أخرى يعاني من التراجع.
النرويج تملك القدرة على التكيّف. حيث إن لديها صعوبات موارد بشرية أقل من المملكة المتحدة: شعبها متعلّم بشكل جيد والتنقيب البحري يتطلب مهندسين لديهم مهارات مفيدة في التكنولوجيا والبرمجيات.
الإنجاز الأبرز لأي شخص يبلغ من العمر 18 عاماً ليس أن يُصبح مصرفياً، بل التطلع لدراسة الهندسة في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا.
بيد أنه لا بد من استغلال هذه القدرة، فالنرويج لا تزال مترددة بشأن التغيير. كان هناك الكثير من الشباب يروّجون الشركات الناشئة في أسبوع الابتكار، لكن كثيرا منهم يعمل بدوام جزئي في شركات كبيرة ويُجرّبون ريادة الأعمال في وقت فراغهم. هم ليسوا بحاجة إلى المغامرة والدخول في المشاريع فعلا. النرويج مجتمع يقوده الإجماع، ولا يشعر بالراحة إلا مع إصلاح تتم مناقشته بعناية والاتفاق عليه. كثير من الشركات الكبيرة، بما في ذلك شتات أويل ونورسك هيدرو، مملوكة أو تُسيطر عليها الدولة، والنرويجيون لا يُريدون أن يتم تقويضها، فهم يحبّون فكرة الإبداع لكنهم يخشون التعطيل.
مع ذلك، كانت هناك علامات على حدوث تقدّم في أسبوع الابتكار. أحدها كان تجمّعا لمزارعين وشركات أنسجة ومصممين ملتزمين بإحياء صناعة الصوف. على عكس السويد والدنمارك، فإن النرويج الغنية بالنفط فشلت في تسلّق سلسلة القيمة في مجال الأزياء، عندما انتقل الإنتاج إلى الخارج قاصداً بلدان ذات عمالة أرخص في السبعينيات. هناك التقيت بإليزابيث ستراي بيدرسن، مصممة الأزياء البالغة من العمر 29 عاماً، التي اشترت العام الماضي مصنعا تم افتتاحه في عام 1953 من قِبل المُصممة أون سويلاند ديل. وهي تريد إحياء علامته التجارية "ليلون" وبيع المزيد من بطانيات الصوف والمعاطف النرويجية التي تُصنع فيه في الخارج. تقول "خسر الناس وظائفهم في صناعة الطاقة، وهذا يُرسل إشارة إلى الشباب أننا بحاجة إلى القيام بشيء مختلف".
السيدة ستراي بيدرسن تملك علامة تجارية للأزياء، تصفها باسم "الابنة الشابة المتمردة" للعلامة التجارية "ليلون". النرويج بحاجة إلى المزيد من هؤلاء الأشخاص.
عبرت هذا الأسبوع من بلد على الحافة الشمالية من أوروبا إلى بلد آخر. المملكة المتحدة تشعر بالذعر من افتقارها إلى خطة من أجل خروج بريطانيا؛ والنرويج تضع خططا لمواجهة التراجع في صناعة النفط والغاز فيها، لكنها تفتقر إلى الذعر، وهذا فارق عظيم.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES