Author

عودة سوق الأسهم السعودية .. توقعات الأسباب والآثار

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى

بهدوء شديد يعود مؤشر سوق الأسهم السعودية إلى الصعود، ولكن السوق اليوم ليست هي السوق قبل 2006، ولا حتى الأوضاع الاقتصادية هي نفسها، الأمور تغيرت كثيرا، السوق اليوم أكثر نضجا لا من حيث وعي المتداولين ولكن من حيث إدارتها، عدد الشركات اليوم أكبر من عددها قبل 12 عاما بما يزيد على الضعف، وحجم الأسهم المتداولة أيضا، حتى وحدة التغير في سعر السهم والمقاصة تغيرت، وكثير من الأمور التي ليس هذا مجال مناقشتها تغيرت أيضا، وإن كنت أتوقع الحاجة إلى مناقشتها في مقالات أخرى. لكن ما أود قوله اليوم، إن سوق الأسهم السعودية بوضعها الحالي وفي كل الظروف الراهنة مهيأة تماما للقيام بدور أكبر والعودة إلى واجهة الأحداث الاقتصادية من جديد. نعم ما زالت مرارة تجربة انهيار عام 2006 ماثلة للعيان وأمام إدارة السوق نفسها قبل غيرها، ولذا أتوقع مع كل ارتفاع لمؤشر السوق أو وصول سعر سهم شركة ما إلى النسبة القصوى فإن هيئة السوق ستستنفر جميع أطقمها الإدارية لفهم الأسباب، وهذا جيد لكن بالتأكيد يجب على الهيئة أن تبتعد عن الوصاية على الناس، وتراقب السوق فقط، وإن كنت أشك في أن لدى الهيئة القدرات الكافية لمراقبة المرحلة المقبلة، فالجميع الآن يملك جوالا يشتري ويبيع من خلاله ما يريد، ولم يعد أحد في حاجة إلى مكتب وجهاز كمبيوتر وصالة للتداول، سيبيع الناس ويشترون وهم في غمرة أعمالهم المعتادة يوميا، ولن تستطيع الجهات الحكومية إغلاق الإنترنت في ساعات العمل، كما فعلت قبل نحو عشر سنوات، ستكون شبكات التواصل أخطر، ولذا أعتقد أن هيئة السوق لن تستطيع الرقابة، لذا ستمارس الوصاية.. أنا أحذر. من أهم الأمور التي ترجح عودة السوق إلى الواجهة الاقتصادية من جديد ظهور الصناديق الحكومية بمظهر جديد، فالصناديق الاستثمارية الحكومية تقود الاقتصاد السعودي بقوة، ودورها اليوم لم يعد ذلك الدور قبل عام 2006 فهي لن تقف موقف المتفرج على ما يحدث، إذ هي تريد أن تقدم دعما واضحا قياديا للمالية العامة ودعم برنامج تقليل الاعتماد على النفط، وهذا معناه أن الصناديق الحكومية متعطشة للعوائد المستدامة، وقد أعلن أكثر من مرة أن السوق السعودية ستكون هدفا لهذه الاستثمارات، لذا فإن الشركات ذات العوائد المستقرة إداريا والبعيدة عن اقتصاد النفط ستكون محطة لهذه الصناديق. لكن الاستثمارات تطلب أفضل العوائد وهذا يقتضي الدخول عند أسعار مناسبة، ولا أنسب من هذه الأسعار اليوم التي تقارب القيمة الدفترية لعدد من الشركات. وفي سوق متعطشة للسيولة فإن أثر هذا الدخول القوي للصناديق الحكومية سيكون بارزا مهما حاولت هذه الصناديق التدرج في الاستثمار لتهدئة السوق، فالاستجابة حتما ستكون قوية ولكن مفاجئة كعادة الأسواق. من جانب آخر سيكون أثر الضرائب إيجابيا على الاستثمار في اعتقادي. وإن كان هذا الافتراض يحتاج إلى وقت للتثبت منه، لكن مع المؤشرات الأولية لاستجابة الاقتصاد بسلاسة لرفع أسعار الطاقة وضريبة القيمة المضافة ومع الأمر الملكي بالعلاوة وبدل تكلفة المعيشة، فإن رغبة كثير من الطبقة المتوسطة في إيجاد مصادر للدخل الإضافي ستكون ملحة، فزيادة الدخل بمبلغ 500 ريال شهريا مثلا وبشكل مستقر مستدام ستكون لها أثر إيجابي في الأسر، وسوق الأسهم قادرة من خلال المضاربات أو من خلال الصناديق الاستثمارية على توفير مثل هذا الدخل، وهذا حافز قوي جدا لعودة عديد من الأفراد إلى السوق المالية، خاصة إذا كانت المصارف جاهزة للتمويل. وبما أن تكلفة الدخول إلى أي استثمار آخر صعبة جدا في الوقت الحالي، والسوق العقارية لم تستقر بعد، والعوائد متدنية مقارنة بحجم الاستثمارات الضرورية للدخول فيها، كما أن تكلفة الخروج أيضا باهظة حاليا، فإن سوق الأسهم تظل المرشحة الوحيدة الأقوى لجذب استثمارات الأفراد مرة أخرى. من المؤكد أن الإعلام الاقتصادي سيلعب دورا كبيرا في كل ذلك، وقد ثبت أقدامه في الساحة الإعلامية، وأصبح تأثيره بالغا على اتجاهات الفكر الاقتصادي في البلاد، ومع ظهور نماذج جديدة للاتصال مثل شبكات التواصل الاجتماعي التي لم تكن متوافرة قبل عام 2006، فإن حمى العودة للأسهم ستكون أكثر وأقوى من قبل، بل قد تكون تجربة جديدة تماما حتى على هيئة السوق المالية، وقد نرى لأول مرة "ترندات" تشجع الدخول أو الخروج من السوق أو من سهم ما، وهذا من الصعب السيطرة عليه أو حتى تتبع آثاره، ستكون الأخبار أسهل انتشارا وأسرع، والحركة ستكون محمومة جدا، وإذا انتعشت السوق مع هذه الأوضاع فمن المتوقع أن تكون التقلبات السعرية سريعة وشديدة، والعوائد مغرية للغاية رغم نمو حجم المخاطر أيضا. في ظل هذه التوقعات فإن قدرة السوق المالية على تجاوز نقاط مقاومة كثيرة ستكون قوية سريعة، والسبب في ذلك أن السوق المالية -رغم السنوات التي مرت عليها بعد انهيار عام 2006 - لم تستطع أن تحقق العمق الذي يضمن للسوق توزيعا عادلا للسيولة، ومعظم الشركات الموجودة في السوق هي من نوع يمكن لمجموعة "واتساب" واحدة أن تسيطر عليها بسهولة، وكل ما أتمناه هو أن تكون هيئة السوق المالية وشركة تداول في الموعد، وأن تستعدا لتسويق ما لديهم وتسويق التوقعات على الشركات العائلية للبدء في برنامج ضخم لإدراج الشركات مع العودة الكبيرة للسوق، بهذا يكون لدى الشركات العائلية مقدرة وجاهزية للدخول السريع، وتعزيز الزخم الموجود وامتصاص السيولة الفائضة بسرعة، وهذا يخفف من وطأة الضغط على الأسعار والمؤشر ويخفف من المخاطر.

إنشرها