FINANCIAL TIMES

ترمب وماي في دافوس.. والعلاقة المميزة على المحك

ترمب وماي في دافوس.. والعلاقة المميزة على المحك

العلاقة التي لا يزال الشعب البريطاني يحب أن يصفها بالعلاقة المميزة، ارتطمت بمطب على الطريق. قبل عام، توجهت تيريزا ماي إلى واشنطن لتكون أول زعيم أجنبي يدخل البيت الأبيض بعد تولي دونالد ترمب منصب الرئيس.
الآن، يقول الرئيس الأمريكي للعالم إنه يبتعد عن لندن. هذه فترة عصيبة بالنسبة لرئيسة الوزراء. فالتعهد بأن تكون "بريطانيا عالمية" بعد البريكست يبدو خياليا عندما تضرب العواصف الأطلسية سواحل الجزر البريطانية، جنبا إلى جنب مع الاغتراب الذاتي عن أوروبا.
إن أردنا قول الحق، كان ينبغي أن تكون نوبة الغضب عبر تويتر، التي شهدت إلغاء ترمب زيارة له كانت مقررة إلى لندن، سببا للشعور بالارتياح.
الازدراء، الذي يفترض أن يكون حول تكلفة تأسيس سفارة أمريكية جديدة في العاصمة، ما هو إلا مصدر إحراج عابر. تجنبت الملكة إليزابيث، المعجبة القوية بالرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، محنة تناول الغداء مع ترمب. والرئيس الأمريكي ما كان ليتفهم الاحتجاجات الجماعية التي خرجت إلى الشوارع.
سيمضي ترمب وقته بدلا من ذلك في المنتدى الاقتصادي العالمي. هذا المنتدى نادرا ما يعِد بتلاقح العقول. يعتز جمهور دافوس بنزعة العولمة التي ينتهجها. نحن بحاجة إلى أن نفهم أن منتدى دافوس هو مجموعة من حكام قلة أغنياء، من الذين لديهم ضمير اجتماعي. بالنسبة للأسبوع المقبل، حدد المنتدى لنفسه مهمة مخيفة تتضمن رسم ملامح "مستقبل مشترك في عالم متفكك". لا أحد لديه أدنى فكرة عما يعنيه ذلك، لكن يفترض بأنه يمقت النزعة الوطنية الاقتصادية تحت شعار: أمريكا أولا، التي يصدح بها الرئيس الأمريكي، ليل نهار.
لا بأس في ذلك. الرئيس الأمريكي إن واظب على نغمة التغريد نفسها، سيجعل من نفسه أضحوكة أمام الجميع. الناس المجتمعون في دافوس يحبون الاهتمام.
في العام الماضي، وقعوا في غرام ذلك الزعيم الأممي غير الليبرالي الشهير، فجأة، ألا وهو الرئيس الصيني تشي جين بينج. حضور ترمب سيؤكد رغبتهم في بيان أهميتهم للناس.
على الأقل ربما سيرغب البعض بتقديم الشكر له على خفض فواتيرهم الضريبية. والمحادثات حول العدالة الاجتماعية وأمور من هذا القبيل، يمكن أن تكون مع أنجيلا ميركل من ألمانيا وإيمانويل ماكرون من فرنسا.
في المستويات الأقل، لا يحب الأوروبيون ترمب في الحقيقة، إذ يُنظَر إليه في الغالب على أنه شخص متنمر خطير وفج. مع الأسف، بأعماله هو يجعل النزعة المعادية لأمريكا ظاهرة تستحق الاحترام.
والزعماء الأوروبيون الذين زاروا البيت الأبيض يعبرون عن أنفسهم بأنهم مصابون بالذهول من هذا الشخص ذي الجهل المطبق.
وفقا لبحوث وكالة بيو، يرى نحو أربعة أخماس الأوروبيين أن أوباما أظهر الشكل الصحيح للقيادة الدولية. أما الرقم الذي حصل عليه ترمب فهو الخُمس فقط.
كل هذا مؤلم بصفة خاصة بالنسبة لدولة وضعت نفسها في خانة أفضل صديق لأمريكا. المؤسسة البريطانية تتوق منذ فترة طويلة إلى اهتمام خاص من قبل واشنطن - حتى حين كانت تشعر في محافلها بأن ذلك يجعلها تبدو في شكل المتضرعة سيئة الطالع.
حين نقرأ في بحث كان سريا أعد لمجلس وزراء هارولد ماكميلان قبل نحو 60 عاما، نشعر الآن بأنه كان تنبؤيا بشكل مثير للقلق.
توصل البحث إلى أنه كلما أصبحت بريطانيا أكثر اعتمادا على نفسها، زاد اعتبارها في أماكن أخرى، وخاصة في بقية دول أوروبا، على أنها مجرد دمية في يد الولايات المتحدة.
وكلما أصبحت العلاقة بينهما أكثر حميمية، ارتفع الثمن الذي ستدفعه فيما لو قررت واشنطن الابتعاد عن لندن.
لذلك فإن غضب ترمب سيكون أكثر إثارة للعصيان بما لا يقاس. لقد أكدت مسألة البريكست صحة الظن المتأصل الذي يغلب على أذهان هؤلاء الأوروبيين القاريين – وعلى الفرنسيين بصفة خاصة، ولكن ليس على سبيل الحصر - بأن البريطانيين لا يمكنهم أبدا أن يفطموا أنفسهم من الاعتماد على الولايات المتحدة.
وفي هذه المرحلة بالذات، تبتعد واشنطن عن العلاقة المميزة، فيما تشكل التكاليف الاقتصادية الباهظة الناجمة عن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، عبئا على كاهل بريطانيا، لا يطاق بالفعل.
من ناحية، بات الآن من الواضح أن البريكست يبشر بمستقبل تقع فيه بريطانيا في منطقة هلامية ضمن الجغرافيا السياسية - ومستقبل بريطانيا هو لبلد تضاءل بشدة في أوروبا، وفي الوقت نفسه غير مرغوب فيه في الولايات المتحدة.
اتخذت المملكة المتحدة خياراتها. ينبغي عليها ألا تشتكي من العواقب الاستراتيجية المترتبة على ذلك. يقال إن السيدة ماي تأمل أن يكون بإمكانها تسوية الأمور وتخفيفها، من خلال تقديم بعض الكلمات الدافئة أمام الرئيس الأمريكي في دافوس.
قد يكون هذا أمرا يفتقر إلى الحكمة. حين تهبط بمنصبها إلى هذا الدرك، فإن هذا سيكون أسوأ من كونه مضيعة للوقت.
على أية حال، العلاقة المميزة المهمة الآن هي علاقة أكبر – أعني بذلك العلاقة التي حافظت على السلام في أوروبا عموماً، وبالذات في أوروبا الوسطى، وكانت في صميم النظام الليبرالي العالمي، الذي يحاول تقويضه الرئيس ترمب، الآن.
لنطلق على تلك العلاقة اسم المجتمع أو التحالف الأطلنطي. لا يتعرض الأمن أو الازدهار لتهديد النزاعات والتوترات المؤقتة. بل يعتمد بالتأكيد على الحفاظ على روابط أعمق بين بلدان ساحلي الأطلنطي- استنادا إلى التزام أمريكي نحو أوروبا، واعتراف أوروبي بأن الولايات المتحدة هي الضامن النهائي لأمنها.
حتى الآن كان رد أوروبا على ترمب يهدف إلى الحد من الأضرار، من حيث كونه استراتيجية، هذا أفضل الموجود.
بصفة عامة، المسرحية لا تزال قيد العرض أمام الناس. لم يتابع الرئيس التهديدات بالتخلي عن حلف النيتو. وتم احتواء الخلافات حول إيران والشرق الأوسط حتى الآن.
من المفيد في هذا المقام أن كثيرا من المحيطين بالرئيس لا يتخذون نظرة الازدراء نفسها، التي يتعامل فيها مع حلفائه.
هذا يعني في نهاية المطاف، أن النسيج المؤسسي للنزعة الأطلنطية لا يزال على حاله في ساحلي المحيط، بل ولا معنى للخوف عليه كما كان عليه الحال، في الأيام الأولى لتولي ترمب منصبه.
في المقابل، سيكون من الخطأ تصور أن كل ما يلزم هو التحلي بالصبر وانتظار انسحاب ترمب، من معظم المواقف الشعبوية التي أعلنها في البدايات. الحجة الداعمة لوجود تحالف قوي عبر الأطلنطي هي الآن أقوى مما كانت عليه من أي وقت مضى. قيم ومصالح الغرب تواجه تحديات لا تتمثل فقط في نهوض الصين، التي تصمم على إعادة تشكيل النظام الدولي فحسب، بل وإحداث التحول الأساسي في موازين توزيع القوة العالمية. سيتعين على البلدان الديموقراطية المتقدمة، العمل بجد أكبر ليكون لها شأن، في مواجهة تحدٍ شامل وشاسع ومتصاعد هكذا.
مع ذلك، لم يحدث قط أن كان الاستعداد على كلا الجانبين للاعتراف بهذا الاعتماد المتبادل، أضعف مما هو عليه الآن.
الحقيقة أن حالة التراجع موجودة قبل ترمب. وقد تستمر بعد ذهابه. إذا كان الأوروبيون والأمريكيون يريدون بالفعل التمسك بالنزعة الأطلنطية التي كان لهم - ينبغي عليهم فهم ذلك جيداً - والفهم وحده لا يكفي، إذ لا بد من تكثيف العمل وبذل الجهد في هذا المجال ونحو الاتجاه القديم المتجدد نفسه.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES