Author

هيبة القضاء والإجراءات الحمائية لها

|

حماية هيبة القضاء أحد أهم القواعد الأساسية التي يجب على القوانين حمايتها وتكريس احترام المحكمة وكل ما يصدر منها، ويكون ذلك من خلال عديد من القوانين التي تصب في هذا السياق.
صدر أخيرا أمر ملكي كريم بالموافقة على استعمال الوسائل الإلكترونية في التبليغات القضائية التي تدخل من ضمنها الرسائل النصية بالجوال وكذلك رسائل البريد الإلكتروني، ومن ثم صدر قرار المجلس الأعلى للقضاء أيضا بناء على الأمر الملكي باعتماد التبليغ عبر الوسائل الإلكترونية الأمر الذي سيحد من كثير من المماطلة التي اعتمد عليها المماطلون والمتهربون من العدالة، الأمر الذي كانت الحاجة إليه ماسة فعلا.
هذا الموضوع يقودني للحديث عن ضرورة تعزيز وحماية هيبة القضاء في كثير من الجوانب الأخرى التي نواجهها نحن المحامين كثيرا، مثل الكذب أمام القضاء، وأحيانا الحلف كاذبا، والإدلاء بمعلومات غير صحيحة، وكذلك التهرب من التبليغ، والتهرب من الحضور بعد التبليغ وغير ذلك، كما أنه لا توجد إجراءات حمائية كافية ضد المماطلين في ظل استمرار المحاكم بعدم الحكم بالتعويض عن الاحتفاظ بأموال الغير والكسب منها بغير حق، ما يؤكد ضرورة وضع إجراءات حمائية ورادعة ضد المماطلة في إعادة أموال الغير.
هذه مجرد أمثلة فقط على بعض الجوانب الواجب تغطيتها من خلال تشريعات نظامية جديدة، ولكن أيضا هناك ملاحظة بعدم تفعيل الأنظمة المتوافرة حاليا بالشكل المطلوب، وسأذكر أيضا بعض الأمثلة.
الحقيقة أن أكثر الأنظمة حمائية في هذا الموضوع هو نظام التنفيذ، إلا أنه لا ينطبق إلا على المرحلة الأخيرة من إجراءات المحاكمات، فنظام المرافعات يخلو من نصوص مركزة لمعاقبة كل من يكذب أمام القضاء أو يتهرب من طلبات المحكمة أو غير ذلك، إلا من نصوص متفرقة حول تعزير صاحب الدعوى الكيدية في حال ثبت ذلك عند القاضي أو عند الإخلال بنظام الجلسة ونحو ذلك من الأمور التقليدية، إلا أن النظام لم يتطرق إلى كثير من الحالات التي نص نظام التنفيذ مثلا على ما يماثلها، ففي حالة تعمد تعطيل الدعوى بإقامة دعاوى قصد منها التعطيل للمحكمة أو قاوم المحاكمة بأن هدد أو اعتدى على الغير أو بأن قام بالكذب في إقراراته أو قدم بيانات غير صحيحة وهكذا من الحالات التي عاقب عليها نظام التنفيذ بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات في المادة 88، بينما لا نجد ما يماثلها في نظام المرافعات حيث إن نظام التنفيذ ينطبق فقط على محاكم التنفيذ.
وعلى الرغم من ذلك؛ فإن المحاكم في حدود اطلاعي نادرا ما تعاقب على مثل هذه المخالفات التي تضعف فعلا من هيبة المحكمة، وأحيانا حتى مع إصرار صاحب الحق على طلب معاقبة مرتكبيها؛ فإنه لا تتم معاقبة فاعليها، وفي نظري أن هناك إشكالا نظاميا له دور وهو كون مثل هذه المخالفات تستوجب مدعيا عنها وهو دور النيابة العامة كون النظام لم يعالجها بالشكل المطلوب وآلية جيدة لحفظ هيبة المحكمة من خلالها وبالتالي حفظ حقوق الناس.

إنشرها