Author

البطالة .. والثورة الاقتصادية الرابعة

|

ترتفع البطالة لدينا رغم كل محاولات وزارة العمل لحلها، وبنظرة سريعة إلى حلول الوزارة نجد أنها أسهمت بشكل محدود في حل المشكلة عبر مبادراتها الكثيرة بالضغط على القطاع الخاص وتحديد نسب سعودة وغيره، لكن تظل كل هذه المبادرات ذات فكر تقليدي في حل البطالة في عالم واقتصاد يتغير بشكل غير تقليدي فلا يمكن القبول بالاستمرار في الضغط على قطاعات مثل الصيانة والتشغيل والمقاولات وغيرها لترفع نسب السعودة وكأن هي الحل السحري أو توطين قطاع معين مثل الذهب سيعالج تشوهات سوق العمل، نعم نحن مع رفع نسب السعودة لكن إلى حد معين فالقطاع الخاص لا يتحمل الضغط أكثر من ذلك خلال السنوات المقبلة، ولذلك هناك سؤال مهم جدا في هذا السياق هل هدفنا في الاستفادة من شبابنا وتوظيف قدراتهم وإمكاناتهم لإيجاد اقتصاد قوي ومنافس عبر الضغط ببرامج السعودة في قطاعات مثل التي تعمل عليها الوزارة صحيح وسليم؟
أعتقد أن الإجابة لا، وقد لا تلام الوزارة وحدها في ذلك، أعتقد أنه يجب على الدولة وضع خطة وطنية كبيرة تشمل تعديل وتحسين منظومة العمل وتهدف إلى رفع الاقتصاد عبر تقوية العنصر البشري ورفع قدراته وتوفير شباب وشابات لديهم الإمكانات للعمل في الاقتصاد الجديد الذي يعتمد على ما يسمى الثورة الاقتصادية الرابعة التي لا أعتقد (حسب معلوماتي) أنها من ضمن خطط وزارة العمل أو الجهات الحكومية المرتبطة بسوق العمل.
إن إيجاد هذه المنظومة أو البيئة يستدعي النظر في:
1 - التعليم: من منطلق إعادة تصميم المناهج لتتوافق مع متطلبات المستقبل واتجاهات الثورة الصناعية الرابعة، حيث تحظى بكثير من الاهتمام والتركيز.
2 - الدعم: وهو ما بعد تأهيل الشباب والشابات تعليميا ليوفر لهم الدعم الكافي كي ينطلقوا في عدة مسارات إما وظيفية أو ريادية وأعمال خاصة، وهذا الدعم يشمل مراكز التوظيف والتمويل للمشاريع أو إعداد برامج تدريب على رأس العمل في القطاع الخاص.
3 - التسويق: إيجاد نظام وآلية لتسويق الخريجين الجدد الذين تم تأهيلهم بما يتوافق مع متطلبات التغيرات في الاقتصاد والثورة الصناعية الرابعة، رغم اعتقادي أنهم لن يحتاجوا إلى تسويق إذا كانوا فعلا متأهلين جيدا.
4 - البيئة التشريعية والقانونية: من المهم تحسين البيئة القانونية والتشريعية لتكون أكثر قدرة على إيجاد الإبداع ورفع الكفاءة بين جميع الأطراف سواء من ناحية تسهيل الأعمال الحرة أو إجراءات تسجيل الشركات أو التوظيف والفصل.
هذه أمثلة بسيطة لما قد تحتاج إليه منظومة العمل وهي كثيرة لإيجاد مرونة وكفاءة في السوق ولجميع الأطراف "باحثين عن عمل، أصحاب العمل، الشركات، الممولين، المستثمرين، وأصحاب العمل الحر".
كما ذكرت سابقا يجب أن نفكر بشكل مبتكر لحل مشكلات سوق العمل وخصوصا نحن أمام متغيرات اقتصادية عالميا ومحليا، العالم اليوم يتجه إلى الثورة الاقتصادية الرابعة وإلى اقتصاد المعرفة، يكفي أن نرى كيف تسهم البرمجيات على سبيل المثال في اقتصاد أمريكا، حيث إنها (حسب تقارير متخصصة) توظف اليوم أكثر من 2.9 مليون شخص بشكل مباشر و10.5 مليون بشكل غير مباشر، وأسهمت بما يقارب 1.4 تريليون دولار في الناتج المحلى الأمريكي، وزيادة على ذلك فلقد أثرت في 50 ولاية أمريكية وأسهمت في نمو اقتصاداتها، على سبيل المثال أسهم وادي السيليكون في رفع قيمة إسهام ولاية كاليفورنيا في الناتج المحلى إلى 124.7 مليار دولار، بينما كان نصيب نيويورك ذات الصيت العريق 49 مليارا فقط. طبعا هذا يدل على حجم هذا القطاع وأهميته في إعادة تشكيل الاقتصاد من الصناعة التقليدية إلى التقنية والبرمجيات، هذا ما نطمح إلى أن يكون تركيز السياسات الإنمائية والتعليم والتطوير نحو هذا النوع من الاقتصاد بدل الركض في ضغط وتعديل قطاعات تهالكت أو ستتهالك مستقبلا بسبب التغيرات الاقتصادية الحتمية.
ختاما، نستطيع أن نشاهد بوضوح حجم التغير في المستقبل في سوق العمل، وكيف أننا ما زلنا متأخرين بسياساتنا التقليدية القديمة، على سبيل المثال إذا حاولت البحث اليوم عن مبرمج ليعمل على تطبيق في جوال ستعلم حجم الطلب وقلة العرض وكيف أننا بدل أن نوجه الشباب نحو التخصص في البرمجة "وغيرها من التخصصات المطلوبة بشدة اليوم" نركز على سعودة قطاعات متهالكة وضعيفة. اليوم أغلب من يبحثون عن مبرمجين يتجهون إلى دول مثل الأردن ومصر والهند بسبب قلة وجود مبرمجين سعوديين، فالأردن اليوم تضم أفضل مبرمجين في الوطن العربي ولذلك كثير من البرامج العربية المشهورة التي أصبحت قيمتها بالملايين وربما تجاوزت المليار هي نتاج شباب من الأردن، لماذا لا يوجد لدينا اهتمام بهذه المهنة؟ لماذا لا تفرض كمادة إجبارية في المدارس؟ لماذا لا يستفاد حتى من المبرمجين السعوديين الذين يعملون كمخترقين (هاكرز) ويطورون كما تعمل الحكومات الغربية؟ لماذا لا نضع خطة لتوفير 200 ألف أو 500 ألف مبرمج خلال السنوات الخمس المقبلة ليكونوا دعما للثورة الاقتصادية الرابعة، وليكونوا دعما لكل خطط المملكة لتغيير اقتصادها بعيدا عن النفط وكي يعملوا وينافسوا الأسواق الأخرى؟ فالمبرمج يستطيع العمل من بعد وهذه ميزة لا تتوافر في كل المهن، والبرمجة تدخل اليوم في كل الصناعات من الزراعة إلى الأزياء عبر تصميم برامج لإدارة وتسهيل عمل كل قطاع.
أخيرا هل تعلم أن إيرادات وأرباح بعض التطبيقات قد تتجاوز "أرباح" شركة مثل سابك! انظر اليوم إلى قائمة أغنى الشباب والشابات في العالم أو الوطن العربي ستكتشف أن كثيرا منهم هم أصحاب تطبيقات (سواء كانت ألعابا أم غيرها) وبرامج عملوا عليها من الصفر. ونحن مع الأسف ما زلنا نلاحق محال الذهب والجوالات والمولات لتحل مشكلات البطالة لدى شبابنا.

إنشرها