FINANCIAL TIMES

الدعاوى الجماعية تقلص قدرة المؤسسات على ظلم الأفراد

الدعاوى الجماعية تقلص قدرة المؤسسات على ظلم الأفراد

عندما وصلت الرسالة، كدتُ أن ألقي بها إلى سلة المهملات. الفقرات الافتتاحية كانت من الرطانة القانونية، وتدور حول "الأشخاص الذين دخلوا في تعاملات العملات الأجنبية" وكانت تبدو مثيرة للحيرة.
التحذير الموجود في الأعلى جلب انتباهي: "الرجاء قراءة هذه الملاحظة بأكملها بعناية. ربما تتأثر حقوقك".
كانت تلك رسالة رسمية من المحكمة الفيدرالية الأمريكية، حول واحدة من تلك الدعاوى القضائية الجماعية، التي تشتكي منها عادة الشركات الأمريكية.
في تلك الدعاوى، يرفع المحامون دعوى بالنيابة عن مدع واحد، لكنهم يقولون إنه يمثل مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين تعرضوا جميعا للظلم بطرق متشابهة.
إذا وافق القاضي على السماح بالقضية، فإن معظم الشركات تقبل بالتسوية خارج المحكمة، بدلا من مواجهة خطر الحصول على حكم بدفع مبلغ هائل بعد المحاكمة.
يحصل المحامون على جزء من الأجر، ويجري تقسيم الباقي بين أعضاء "المجموعة" بمجرد معرفة أماكن وجودهم وشخصياتهم.
كما تبين لي، كانت تلك الرسالة الخاصة تتعلق بفضيحة التلاعب بأسعار العملات الأجنبية الهائلة،والتي أمضيت عامين في تغطيتها كمراسل صحافي، قبل نحو نصف عقد من الزمن.
دفعت سلسلة من المصارف العالمية من قبل أكثر من 10 مليارات دولار، كغرامات لتسوية ادعاءات تواطؤ متداولين للتلاعب بالأسعار، لذلك حصلت المصارف - وليس عملاء هذه المصارف - على الجانب الأفضل من صفقات العملات الأجنبية.
لماذا أرسلوا لي الرسالة؟ الجهات المنظمة كانت تصف الضحايا بشكل روتيني، بأنهم متداولون وشركات نشيطة في العملات الأجنبية، يستخدمون المشتقات المالية للتحوط من مخاطر العملات.
أنا أمتلك أسهما وسندات وأسهما في صناديق الاستثمار المشترك، لكن لا أحد يمكنه أن يخلط بيني وبين أحد المتداولين في جلسات التداول النهارية.
أمتلك بالفعل حسابات جارية في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وغالبا ما أنقل الأموال ما بينهما.
تبين لي أن 15 مصرفاً قد وافق أيضا على دفع مبلغ 2.3 مليار دولار لتعويض العملاء الذين فرضت عليهم المصارف رسوما طائلة، بما في ذلك بنك باركليز، وبنك جيه بي مورجان - المصرفان اللذان أمتلك فيهما شخصيا حسابات.
أخبرني كريستوفر بيرك، أحد المحامين الذين عينتهم المحكمة لتمثيل تلك الفئة، بأن المصارف قدمت قائمة تحوي نحو 200 ألف شخص من الضحايا المحتملين، الذين كانوا قد تعرضوا للغش في أسعار الصرف الأجنبية بالدولار والجنيه الاسترليني، بين عامي 2003 و2015. قال بنك باركليز إنني لم أكن من ضمن قائمته، ورفض بنك جيه بي مورجان التعليق على الموضوع.
نظرا لأنني لم أقم بنقل مبالغ هائلة من الأموال بين مصرف وآخر، لن أصبح غنيا من هذه القضية. إن استجاب نصف هؤلاء الضحايا لتلك الرسالة وطالبوا بنصيبهم - يتوقع بيرك لات نسبة استجابة طبيعية بنحو 40 في المائة: "سنرسل لك مبلغا يكفي على الأقل، لأن تشتري كوباً من العصير".
هذه ليست المرة الأولى التي أفوز بها بفضيحة مالية تعادل جائزة يانصيب ذات مستوى منخفض. بالعودة إلى عامي 2003 و 2004، رفعت الجهات المنظمة الأمريكية سلسلة من القضايا ضد شركات صناديق الاستثمار المشترك، التي كانت قد سمحت لصناديق التحوط "بتوقيت" أموالها في السوق.
أسعار الأسهم دائمة التغير، في الوقت الذي يجري فيه تسعير صناديق الاستثمار المشترك مرة واحدة في اليوم فقط. من خلال التداول باستمرار، دخولا وخروجا، تستطيع صناديق التحوط جني أرباح قصيرة الأجل، في الوقت الذي تعمل فيه على رفع التكاليف، وشفط الكثير من المكاسب المتأتية من مستثمري التجزئة.
على مدى السنوات الثلاث التي تلت ذلك، تلقيت مجموعة من شيكات التسوية - مبلغ 100 دولاراً هنا و 250 دولارا هناك - لأن كل شركة صندوق استثمار مشترك كانت مضطرة لتعويض مئات الآلاف من صغار المستثمرين.
عادة ما تشتكي الشركات من محامي القضايا الجماعية، قائلة إنهم يرفعون قضايا تافهة تضيع وقت المحكمة ويكسبون مبالغ فوق الحد على شكل أتعاب.
كما يشير المدافعون إلى أن النظام الأمريكي مؤسس ليعتمد على القضايا الخاصة - بدلا من وجود مشرف حكومي - لإرغام الشركات السيئة على دفع التعويض.
الدعاوى القضائية الجماعية، التي تقدم المطالب بشكل جماعي، تجعل العدالة أمرا ميسورا بالنسبة لأصحاب المطالبات الصغيرة، الذين لا يملكون المال ولا الخبرة لتقديم دعاويهم. ويضيف بيرك أن هنالك خططا للحد من رسوم المحامين والتكاليف الإدارية، لتكون أقل من 20 في المائة من التسوية الكاملة.
في الوقت الذي ربما يكون فيه حجم الشيكات التي وصلتني صغيرا، تقدم الغرامات والدعاوى القضائية الإجرائية رادعا كبيرا.
يقول مايكل هوسفيلد، المحامي الشهير الآخر في قضايا العملات الأجنبية: "إن تمكنتَ من دفع المصارف إلى دفع ثمن الأخطاء التي ارتكبتها، فأنت تفعل ذلك بحيث تصبح سرقة الناس غير مربحة بالنسبة لها".
الحماس الأمريكي نحو القضايا الجماعية لا يظهر أي دليل على التراجع - تقدم المستثمرون المتضررون بدعاوى جماعية جديدة تتعلق بالأوراق المالية - بوتيرة قياسية خلال النصف الأول من عام 2017، وفقا لبحوث كورنرستون.
وانتشرت هذه الممارسة لتصل إلى أوروبا. تمكن متقاضون هولنديون من رفع قضايا جماعية منذ عام 2005، وبدأت المملكة المتحدة في السماح بتقديم قضايا جماعية في قضايا التنافسية في عام 2015.
في الشهر الماضي، أعلنت مجموعة جديدة للدفاع عن المستهلكين تدّعي: "يا شركة جوجل أنت مدينة لنا" عن خطط لرفع دعوى جماعية ضد الشركة الأمريكية، لتحصل على تعويض لمستخدمي أجهزة الآيفون الذين يزعم أنهم تعرضوا للتطفل من خلال وجود خلل في متصفح سفاري، ما بين عامي 2011 و2012.
كانت شركة جوجل قد دفعت من قبل أكثر من 30 مليون دولار، في صورة غرامات إلى الأجهزة التنظيمية الأمريكية وممثلي النائب العام في الولايات، بسبب استغلالها للخلل في الآيفون.
الشركة قالت إنها تعتزم الاعتراض على القضية البريطانية، وأشارت إلى أنها فازت من قبل في قضية جماعية أمريكية بشأن هذا الموضوع.
بطبيعة الحال، كان لدي جهاز آيفون بريطاني في ذلك الحين، بالتالي سأراقب الموضوع باهتمام.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES