Author

إذا ثبت صدقه

|

أذكر أن أحد القضاة تغاضى عن اتهام أحد المتقاضين أمامه لخصمه بالكذب. عندما غضب المتهم وطالب القاضي بأن يقتص من خصمه بسبب ادعائه عليه بالكذب أكد له القاضي أنه يجوز في حال التقاضي أن تطلق بعض العبارات التي يمكن اعتبارها في مكان آخر مؤدية لعقاب معين سواء باعتبارها قذفا أو اتهاما بالباطل. خرج المتهم بالكذب وفي نفسه بعض الشيء على القاضي الذي لم يأخذ حقه من خصمه، خصوصا بعدما تأكد للقاضي أن الخصم كان يدعي كذب خصمه ولم يكن على حق في ذلك الادعاء. مرت الأيام وحكم القاضي لمصلحة صاحبنا المتهم، وقايضه على حقه لدى من اتهمه بالكذب حتى حلت القضية سواء كان المتنازل راضيا أم لم يكن كذلك. استرجعت هذه الحادثة وأنا أقرأ ما نشر عن مركز البحوث في وزارة العدل السعودية حيال أمر مشابه، ولا بد أن حال التقاضي بين الخصوم يؤدي لخروج ألفاظ معينة قد لا تكون ملائمة لموقع التقاضي أو حال المتقاضين أو مركز من يتقاضون أمامه لكن الدفاع عن النفس قد يستدعي "بعض ذلك" وليس كله. إذ أكد مركز البحوث التابع لوزارة العدل أنه لا عقوبة على من اتهم خصمه بخلة غير شريفة أثناء التقاضي، ولكنه ربط ذلك بأن يثبت صدق المدعي، وهذا ما كان يبحث عنه صاحبنا في القصة التي ذكرت. إن عدم تأكيد ما ادعاه أحد المتخاصمين يجعل الأمر خاضعا لحق مختلف تماما عن ذلك الذي يتقاضى فيه الخصمان، ولهذا كان صاحبنا يبحث عن تعويض ولو كان أدبيا من القاضي، إذ يأمر على الأقل أن يكتب في محضر الجلسة أن الخصم ادعى على خصمه زورا بالكذب أو غيره من الاتهامات التي لا يقبلها الواحد على نفسه. لعل المرجعية الشرعية في الأمر هي للقرآن الكريم، الذي سمح بالجهر بالسوء من القول لمن ظلم في قوله تعالى: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"؛ ولهذا فإن كل ما يمكن أن يقال في حضرة القاضي يجب أن يكون منضبطا ولا يعتمد على ليونة القاضي أو محاولته التقريب بين وجهتي نظر مختلفتين لما في ذلك من إحقاق للحق وحماية لسمعة الأشخاص وحد من التهور في إطلاق النعوت والصفات بالباطل في مكان كهذا.

إنشرها