default Author

تعدد الهويات المهنية أمر واقع

|
نعيش حياة مليئة بتجارب مختلفة أكثر من أي وقت مضى، ولكن تساعد الثقافة السائدة على الحفاظ على هويتنا، وأن نرفع شعار "كن صادقا مع نفسك". على غرار ذلك، يقول المديرون من أصحاب الخبرات: "حافظ على أصالتك". وتثبت تلك المقولة صحتها في عديد من المناسبات. باستثناء الأشياء التي يرددها كثيرون في مناسبات عدة، والتي تستحق دراسة متأنية؛ لأنها قد تكون خاطئة لأسباب مترابطة. في مقالة جديدة نشرتها مجلة العلوم الإدارية الفصلية، ناقش كل من بريانا باركر كازا، وشيري موس وهيذر فوج، عدم ضرورة وجود رابط بين الاتساق "أن تكون الشخص ذاته كل يوم" والأصالة "أن تكون على حقيقتك". المشكلة بربطنا الأصالة بالاتساق، تكمن في كون الإنسان ليس مجرد حالة واحدة. فكثير من الأفكار والمعتقدات والصفات تمثل شخصيتنا على الرغم من عدم اتساقها معا على الدوام. ولكن يمتلك الأشخاص ما يكفي من الذكاء لإنجاز أكثر من عمل واحد، ويتسمون بالمرونة التي تخولهم إتقان أكثر من مهنة. تابع الباحثون الحياة المهنية لـ48 شخصا ممن يشغلون وظائف متعددة في وقت واحد، قام بعضهم بتغيير مهنته مع مرور الوقت. لم يكونوا ممن يعملون بمهن إضافية؛ أي الأشخاص الذين يعملون بمهنة ثانية لضرورات مادية، ولكنهم أشخاص محترفون ومتعددو المواهب، يفضلون تولي أكثر من مهنة في وقت واحد. وهم أشخاص نادرون إلى حد ما. وتم التوصل إليهم من خلال أشخاص آخرين على مدار خمس سنوات. أغلبهم تمت مقابلتهم من مرة إلى خمس مرات. ومن ثم تم تقسيم النتائج إلى ثلاثة أقسام من خلال تحليل البيانات الأخرى، كصفحاتهم على الإنترنت المتاحة للعامة، والمدونات والعروض التقديمية. القيام بعدة مهن في وقت واحد ينشئ صراعات على الصعيدين الاجتماعي والشخصي. تم إخضاع الأشخاص المشاركين في الدراسة لاختبار صارم للأصالة، كوننا نعتقد أن شخصية الأفراد في العمل تختلف عن خارجه ــ كمثال على ذلك، طالب هادئ ولكنه عازف جاز اجتماعي. وليس من المستغرب أن تشكل متطلبات الأصالة عبئا على الأشخاص المتعددي المواهب. فضمنيا شكك بعضهم في أصالتهم، وأشاروا إلى معاناتهم من عدم تميزهم في مجال معين. على الصعيد الاجتماعي، شعر كثيرون بأن الآخرين أساؤوا فهمهم وقللوا من قدراتهم. كما تساءلت إحدى السيدات على مدونتها "ماذا تفعل بهذه الحالة؟". شعر المشاركون بكمية الأحكام التي يلقيها الآخرون، التي تدفع في بعض الأحيان إلى التشكيك في قدراتنا، خاصة في بداية الحياة المهنية المتعددة المسارات. كان أصحاب المهارات المهنية المتعددة على دراية بما هو مطلوب منهم؛ أي أن يتسموا بالأصالة. ولكنهم شعروا أن هذه المطالب غير شرعية. أدى ذلك إلى حالة من الصراع الداخلي: هل الأصالة بالنسبة للآخرين تتوافق مع تعريفهم الخاص لها؟ توحيد الهويات المهنية للفرد لا يوجد فائز في هذا النوع من الصراعات، ولكن وجدت الدراسة حلا يناسب جميع الأطراف: فمن جهة كان عليهم وضع حدود لوضعهم الحالي من خلال إيجاد روتين عمل منتظم، يخولهم إعطاء كل مهنة الوقت الذي تستحق. وكانوا حذرين أيضا تجاه الطريقة التي يعرفون بها أنفسهم. لا تنطوي تلك العملية على القيام بأمر معين، بل التعريف بجزء من شخصيتهم المنتمي إلى عمل محدد كانوا يزاولونه حينها. ولفعل ذلك، وجدوا طريقة لتوصيف أنفسهم في سياق معين بجملة واحدة مختصرة لتجنب نظرات الاستهجان. وفي بعض الأحيان كان عليهم تقديم شرح واف لما يقومون به لكنهم فعلوا ذلك بشكل انتقائي. هناك استراتيجية مشتركة أخرى تمثلت في فصل أنفسهم عن بعض الناس لإيجاد مسافة نفسية عن أحكام الآخرين. من جهة أخرى، دمجوا أدوارهم وهوياتهم المتعددة في إطار شعورهم بذاتهم. ووجدوا أن هذا الإدماج يضفي أصالة وقيمة. ولتحقيق ذلك، حددوا موضوعا مشتركا، مثل مهارة معينة "كالكتابة" أو هدف رئيس "مثل تمكين الشباب". توقف المشاركون مع مرور الوقت عن الاهتمام بمسألة الاتساق التي يفرضها المجتمع، كونهم قادرين على تجسيد حياتهم المهنية والاستفادة من مزايا معينة توفرها هوياتهم المتعددة كالتعلم والمرونة. الاهتمام بالأشخاص من حولنا. قد يبدو أمرا غريبا للبعض كونهم يقومون ببساطة بأشياء كثيرة أو مختلفة لحد كبير. وفي بعض الأحيان قد تشك في أن مثل هذا السلوك قد يضر بعامل الأصالة، ولكنك ببساطة قد تكون على خطأ، وقد تقلل من قدر التزامهم بكل مهنة.
إنشرها