Author

مزاج الخروج

|

قبل عدة سنوات تراجع أداء أحد زملائي على نحو لافت في العمل. لم يعد الزميل المتوثب والطموح والمتحمس. تحولت طلاقة الوجه والابتسامة التي تعلو محياه إلى عبوس وتجهم. صار آخر من يأتي إلى الدوام بعد أن كان أول من يدخل وآخر من يخرج. اعتقدنا في البداية أنه يمر بظرف عائلي عابر أو صحي مؤقت عكر صفو حياته وانعكس على أدائه. لكن سرعان ما تبددت تكهناتنا بعد أن استقصينا وبحثنا. فاكتشفنا أن كل المؤشرات الظاهرية لا تدعو إلى القلق.
المشكلة أن التغيير السلبي الذي طرأ على زميلنا لم يكن قصيرا، امتد إلى عامين تقريبا. لاحقا، غادر الوظيفة وانتقل إلى أخرى لم يلبث فيها طويلا حتى دبت الحياة من جديد في ملامحه واستيقظت الابتسامة في وجهه بعد سبات عميق.
ثمة حالة تلبست زميلنا، وقتئذ، وعطلت كل طموحاته وحماسته وشهيته تسمى مزاج الخروج. فقد دخل صاحبنا في هذه الحالة الخطيرة التي تعني عدم قبوله للبيئة التي يعيش فيها وعدم قدرته على التأقلم معها ورغبته الجامحة في مغادرتها عاجلا.
بعضنا مر ويمر بهذه الحالة. ويخطئ من يواجهها بالإنكار ويستمر في المكان ولا يخرج منه فتتفاقم الخسائر وتزداد الإحباطات والهزائم التي تخلف كثيرا من الضحايا والأسى والجراح والندم. مزاج الخروج مؤذ إذا سمحنا له بالإقامة في رؤوسنا لأنه يحولنا إلى آلات بلا مشاعر وإبداع. نأتي إلى هذا المكان لتأدية عمل ميكانيكي يفتقر إلى أي إحساس. إذا داهمك هذا الشعور فهو جرس إنذار يقول لك إنك في المكان الخطأ أو مع الشخص الخطأ. لا تمكث هنا كثيرا. ابحث عن وجهة أخرى تناسبك قبل أن يتمكن هذا المزاج منك ويسلبك أحلامك وسعادتك ويحولك إلى آلة لا تجيد إلا السخط والنزيف.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها