Author

العفو والخلق

|

قرأت قبل أيام حديثا يصف قصة واحد من أعتى أعداء الدين في بدايات الدعوة وهو رجل يقال له "ثمامة بن أثال" وشدني إلى القصة ما تحويه من معان جزلة تعتبر الدليل الواضح للخلق القويم الذي كان عليه رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم.
كان الرجل قد توعد النبي بالقتل، وقاده حظه العاثر وهو يتوجه لأداء العمرة إلى طريق سرية بعثها النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ فأسرته. لم يكن الصحابة يعلمون من هو الرجل وإنما عرفهم به رسول الله حينما دخلوا عليه في المسجد. لم يقتله الرسول مع أن دمه كان مهدرا ـــ لعدائه الشديد للدين الوليد ونيته قتل النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وإنما قيده في المسجد ليسمع كلام الله.
بقي ثمامة مقيدا في عمود في المسجد ثلاثة أيام، يسأله في نهاية كل يوم الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم: ما عندك يا ثمامة فيقول: إن تقتل ذا دم وإن تعف عن شاكر وإن طلبت المال أعطيتك منه ما تريد. وعندما بلغ به الأمر مبلغه، أمر به النبي ففك قيده وأطلق سراحه وهو الذي كان يريد قتله.
هذا العفو الذي أثبت به الرسول عظمته أمام من أراد قتله، لم يقع في رجل لا خير فيه، ولكنه أراد أن يعود برغبته، فخرج إلى أطراف المدينة ليغتسل وأقبل إلى النبي وقال له: أشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله.
ثم إنه أخبر النبي أنه خرج للعمرة في الأصل فأمره الرسول أن يذهب فيؤدي العمرة ولكن كما فرضها الله في الإسلام. فدخل ثمامة مكة ملبيا واجتمعت عليه قريش فوقف في الحرم مناديا بالتلبية، ومؤكدا للعالم أنه آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ نبيا. قاطع النبي قريشا، فأمر ثمامة قومه في نجد بمقاطعة قريش وكانت نجد مصدر الحبوب التي يعيش عليها أهل مكة، فاستنجدوا برسول الله ليقنع ثمامة أن يلغي المقاطعة الاقتصادية التي فرضها عليهم، فما كان من الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ إلا أن أمره بإلغاء المقاطعة ففعل.
هذا خلق محمد بن عبد الله الذي نقل العالم أعظم نقلة حضارية، وفتح به العالم وأنقذ به الخلق من الشرك والظلمات لنور الهداية.

إنشرها