FINANCIAL TIMES

بريطانيا تتجه لمخالفة نظريات التخصيص بتأميم المرافق العامة

بريطانيا تتجه لمخالفة نظريات التخصيص بتأميم المرافق العامة

بريطانيا تتجه لمخالفة نظريات التخصيص بتأميم المرافق العامة

بناء الاقتصاد للناس يعني أيضا وضع ملكية المرافق والسيطرة عليها، وإتاحة قطاع الخدمات الرئيسة للناس كي يستخدموها لإشباع احتياجاتهم، وفق القوعد المتبعة. السكك الحديدية، والمياه، والطاقة، والبريد: من ضمن المرافق العامة التي نعمل على استعادتها بأسرها.
هذا ما فعله جون ماكدونيل، وزير مالية حكومة الظل، وهو الرجل الذي يمثل الطاقة الفكرية التي تدفع المقعد الذي يعتليه جيرمي كوربين، زعيم حزب العمال البريطاني المعارض، حيث يمكن القول إن هنالك تكمن الفكرة الأكثر أهمية لحزبه.
إن حقق حزب العمال الفوز في الانتخابات المقبلة، فإنه قد يتمكن من عكس اتجاه كثير من عمليات الخصخصة التي أطلقت في عهد مارجريت تاتشر في الثمانينيات وما بعدها. هل هذا أمر منطقي؟ بكلمة واحدة، لا.
إعادة التأميم أمر مهم. مثال الخصخصة في المملكة المتحدة كان الحافز للتقليد من قبل مجموعة من البلدان النامية والمتطورة الأخرى، حيث اشتمل في النهاية على الاتحاد السوفياتي السابق نفسه، بل والصين.
إن كانت المملكة المتحدة ستنتخب حكومة ملتزمة بالمسار العكسي، فإنها قد تعمل على تحويل رأي العالم أجمع - وهذا بالتأكيد سيكون أمرا صاعقا.
مع ذلك، السؤال المهم هو ما إذا كان ذلك أمرا منطقيا أم لا. يتذكر البعض منا كيف كانت حال الصناعات التي جرى تأميمها.
بشكل مناقض للغة الطنانة المزوقة من ماكدونيل، لم تكن تلك المرافق الحيوية بالتأكيد في أيدي العامة كي يستخدموها، على أفضل وجه. بل كانت في أيدي الوزراء وموظفي الخدمة العامة الذين سيطروا عليها، وعلى الأشخاص الموظفين فيها.
كان يعمل فيها موظفون زائدون عن الحاجة بشكل مزمن، وكانت مسيسة إلى حد كبير. وهي إما عانت افتقارا في الاستثمارات أو اتخذت قرارات استثمارية سيئة (المفاعل النووي الذي يعمل "بتبريد الغاز المتقدم" يمثل نقطة سلبية بصفة خاصة).
ناهيك عن ذلك، فقد كانوا يعاملون المستخدمين بلامبالاة. وقد كنت أنا من بين هؤلاء المستخدمين. وهذا الشكل من الملكية لم يذبل لأنه كان ناجحا، بل أصيب بالذبول لأنه لم يكن كذلك.
توصلت البحوث التي أجريت على التجارب العالمية في الثمانينيات والتسعينيات إلى النتيجة الواضحة التي مفادها أن الأعمال التي تمت خصخصتها كانت، عموما، أكثر فاعلية واستثمرت أيضا بشكل أكبر من الشركات المملوكة للقطاع العام. في ورقة بحثية لم تُنشَر بعد، يقول ويليام ميجينسون من جامعة أوكلاهوما إن التجربة منذ 2000 تشير إلى التوصل إلى النتيجة نفسها.
مع ذلك، تبين النظرية والتطبيق أن الخصخصة ليست الحل الناجع. هناك بشكل خاص، المخاوف التي بررت الملكية العامة - الاحتكار الطبيعي (كما هو الحال مع المياه)، وأمن الإمدادات (كما الحال مع الطاقة والمياه) وطول دورات الابتكار والاستثمار (حالة الكهرباء) - تفسد أيضا إدارة وتنظيم المرافق التي تمت خصخصتها.
حتى في الحالات المثيرة للجدل - ومثل هذه الخلافات أمر حتمي، وغالبا ما تكون مناسبة - تبين أن الخصخصة تشكل نوعا من التحسن. في المملكة المتحدة، واحدة من القضايا الأكثر إثارة للجدل هي السكك الحديدية.
لدى حزب العمال حنين لشركة السكك الحديدية البريطانية. أما بالنسبة لي، فليس لدي هذا الحنين على الإطلاق. صحيح أن هذه الشركة تعرضت لنقص حاد في التمويل، لكنها كانت تحت إدارة رهيبة.
أفادت دراسة نشرت مرة أخرى في 2002 بأنه "تم تحقيق الكفاءات الرئيسة" في مجال السكك الحديدية. والأدلة تؤيد الرأي الذي مفاده أن الخصخصة قدمت الفائدة لركاب السكك الحديدية، إن لم يكن للعاملين أيضا.
ما بين 1948 (عندما تم تأميم السكك الحديدية) و1993-1994 (عندما تمت خصخصتها)، انخفض إجمالي المسافات التي يقطعها الركاب بالكيلومترات بنسبة 11 في المائة.
أما ما بين 1993-1994 و2015-2016، فقد ارتفع إجمالي تلك المسافة بنسبة 128 في المائة. التباين مذهل تماما. ليس من المستغرب أن الازدحام أصبح الآن مصدر قلق، لكن زيادة عدد الرحلات هو في حد ذاته مؤشر قوي على تحقيق النجاح.
من غير المرجح أن تعمل إعادة التأميم على تحسين نوعية الخدمات المقدمة للناس، بل ستكون حتما أمرا تخريبيا ومهدرا للوقت.
علاوة على ذلك، ما لم يكن حزب العمال يرغب في جعل نفسه حزبا منبوذا بين المستثمرين (لنقل مثل فنزويلا ثانية)، سيتعين عليه تقديم تعويض كامل. لذلك، ستضطر الحكومة لزيادة ديونها بشكل كبير. وهذا من غير المرجح أن يكون مستخدما بشكل أفضل من خلال قدرة الإقراض المحدودة.
ليس معنى هذا إنكار أن كثيرا مما كانت تفعله الحكومة - والتنظيم سمح للشركات بفعل ذلك - وهو أمر غير مرغوب به تماما. ديتر هيلم، الأستاذ في جامعة أكسفورد، جادل بشأن ذلك بأسلوب مقنع في مراجعته الأخيرة (تكلفة الطاقة).
تبرز تساؤلات مماثلة حول هيكل وتنظيم صناعتي السكك الحديدية والمياه. التحول في الملكية يمكن ألا يعمل في حد ذاته على حل أي من التحديات التي تواجهها تلك الصناعات. على العكس من ذلك، من المحتمل أكثر أن يضيف مجموعة من التحديات الجديدة، خاصة إذا أردنا تجنب تكرار حالات الفشل التاريخية الخاصة بالصناعات التي تم تأميمها.
ليس من الصعب أن نرى الأهمية الرمزية للتأميم من وجهة نظر اليسار، لكن إذا كان هدف حزب العمال هو تحسين رفاهية الناس العاديين، يجدر به بدلا من ذلك أن يعمل عل تحسين هيكل وأغراض القوانين التنظيمية.
ويجدر به أيضا أن يعمل على إصلاح السياسة الحكومية: على سبيل المثال، استبدال القوانين التنظيمية للمناخ بضريبة على الكربون. يجب أن ننسى التأميم، فهو طريق مسدود.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES