Author

فواتير الكهرباء والمياه .. الجانب الذي لم يحكَ

|

يعلم الجميع ضرورة ترشيد استهلاكنا للكهرباء والمياه خصوصا أننا في هذا البلد ننتج الطاقة عبر طرق غير متجددة أو بالأحرى عبر حرق البترول بشكل أساس وإن بدأت محطات عدة بالدخول عبر استخدام الغاز وهو أعلى كفاءة وأنظف من النفط، لكن ما زلنا نحرق ثرواتنا غير المتجددة وفي الوقت نفسه المكلفة لإنتاج الكهرباء، العالم بدأ منذ زمن في التحول نحو الطاقة المتجددة التي أسهمت في تخفيف التكلفة وفي الوقت نفسه تحافظ على الاستدامة البيئية وتقلل من الانبعاثات الكربونية المتزامنة من إنتاج الكهرباء عن طريق النفط، لذلك اتجهت المملكة أخيرا وباستراتيجية جديدة لزيادة إنتاج الكهرباء عن طريق مصادر متنوعة بعيدة عن النفط، وكي تأخذ حصة جيدة من الإنتاج ستحتاج إلى عقود من الزمن، خطوة متأخرة لكن في الاتجاه الصحيح.
هذا الوضع العام لشكل إنتاج الطاقة الكهربائية في السعودية يجعل تكلفة الإنتاج مرتفعة خصوصا إذا ارتفع البترول وهو متوقع في المستقبل، سابقا كانت الدولة تتحمل التكلفة الأكبر منه خلال كل السنوات الماضية ما أدى إلى توافر الكهرباء بشكل رخيص قاد إلى ارتفاع الاستهلاك وعدم الاهتمام بالتوفير من قبل المستهلك أو حرصه على البحث عن أجهزة أعلى كفاءة في توفير الطاقة حتى بدأت الأسعار ترتفع وبدأ ثقل الفواتير يتراكم, عندها شهدنا تغيرا في سلوك المستهلكين نحو التوفير سواء عن طريق البحث عن أجهزة عالية الكفاءة أو الحرص على المسكن المعزول بشكل جيد لحفظ البرودة أو الحرارة حتى يقلص من تكاليف التكييف وهي الأعلى في فاتورة كل بيت.
لكن ليست هذه كل الحكاية بل إن هناك جانبا آخر لارتفاع تكاليف الفواتير، وهو يتعلق بالمصدر أو بالأخص شركة الكهرباء، حيث وكما ذكرت في الأعلى، الشركة وحسب طريقة إنتاجها تتحمل تكاليف عالية بسبب هذه التقنية القديمة وكذلك بسبب انخفاض كفاءة كثير من محطاتها وتقادمها، بل إن بعض المحطات قد لا تعمل أساسا أو لم تستغل بشكل جيد لأي سبب كان، وزيادة على ذلك هناك تقارير عن ترهل الهيكل الإداري داخل الشركة ما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف الإدارية لديها، وهو ما أعتقد أن في حال دخول "سوفت بانك" كمستثمر رئيس فيها لن يقبل بضعف الأداء وترهل الهيكل الإداري وقد نرى تغييرا جذريا يحصل للشركة، عموما أعتقد أن جزءا من ارتفاع فاتورة المستهلك يعود إلى خلل وضعف في الشركة مع ارتفاع تكلفة الإنتاج بسبب التقنية المستخدمة، فيحق لي أن أتساءل هل تكلفة إنتاج الكهرباء لدينا معقولة وبالنطاق نفسه مع الدول المماثلة في التقنية وطبيعة الاستخدام؟ وهل الكفاءة في الإنتاج والتشغيل لدى شركة الكهرباء مرتفعة؟ الواقع وحسب ما أرى لا يدعم شركة الكهرباء، وأتمنى أن يصحح وضع الشركة وتقلل تكاليفها لتتوازن العملية وقد يخف الضغط على تسعيرة الشرائح في نهاية المطاف.
أما بالنسبة للمياه بلا شك أن الوضع حرج، خصوصا عندما نتحدث عن بلد شحيح بالمياه فيجب أن يكون هناك وعي كامل عن خطورة الهدر والبعد عن الأنشطة الاقتصادية التي تتطلب في صناعتها استهلاكا عاليا للمياه، لكن هذا لا يمنع عن البحث عن الأفكار الجديدة والرائدة في طرق الاستفادة من السيول التي تتوافر في المواسم أو من المناطق التي تنعم بهطول أمطار طوال السنة مثل المناطق الجنوبية والطائف التي تقودني إلى تساؤل هل تمت دراسة كيفية الاستفادة منها؟ هل تقدمنا بعمل فعلي وبمشاريع (غير السدود) للاستفادة منها في طريقة تجميعها وتخزينها؟ لماذا لا يوجد لدينا منظومة متطورة وفعالة لإعادة تكرير المياه والاستفادة منها داخل المدن والاستفادة من تصريف مياه السيول؟ في الحقيقة لا أعلم وأتمنى أن أسمع الإجابة من الجهات المعنية.
وكما ذكرت عن الكهرباء، فإن في جانب ارتفاع التكلفة للمياه وجها آخر، وهو الهدر الكبير في شبكات توزيع المياه الذي حسب تقرير نشرته «العربية» آخر عام 2012 أعده وليفييه بروس الخبير الدولي والرئيس التنفيذي لشركة ساور، أن حجم الهدر الناتج من تسربات في الشبكة يصل إلى 40 في المائة خصوصا في مكة والطائف وذلك من جراء تقادم أو بالأحرى انتهاء عمرها الافتراضي، وهناك عدة تصريحات وتقارير كذلك تتحدث عن وجود هدر كبير في الشبكة، وهو مسؤول بشكل رئيس عن ارتفاع الاستهلاك في السعودية إذا صحت هذه الأرقام، وذلك بسبب قدمها نوعا ما وقد تكون تمت معالجة كثير من هذه التسربات، لكن لا أملك معلومة عنها، عموما يحق لنا أن نتساءل مرة أخرى هل الهدر كله من قبل المستهلك أم من الشركة أو الوزارة؟ هل فعلا لا يوجد هدر في الشبكة؟ هل كل ما ينتج يتم استهلاكه أم تضيع نسبة كبيرة منه في تسربات الشبكات؟ هل فعلا العدادات الحالية يعتمد عليها أم أنها لا تخلو من الأخطاء كما يشتكي كثير من المستهلكين من أخطائها؟ إن الإجابة عن هذه التساؤلات من شأنها أن تطمئن المستهلك حول فاعلية أداء مقدمي الخدمة.
ختاما، كلنا ننشد الترشيد خصوصا فيما يتعلق بالأمن المائي والمحافظة على ثروتنا البترولية من جشعنا واستهلاكنا المفرط لها، حيث كما ذكر الدكتور سليمان الخطاف (وهو متخصص في شؤون الطاقة) في مقال سابق له، أن المملكة استهلكت 42 في المائة مما أنتجته من النفط (والنفط المكافئ) في عام 2015، وهي نسبة مرعبة بحق، كيف نستهلك مثل هذا الرقم ونحن بلد لا يتجاوز عدد سكانه 30 مليونا وليست لدينا صناعة قوية تضعنا مع الدول العظمى مقارنة بحجم استهلاك البترول؟ ما عملته الحكومة كان ضروريا وحكيما لكن تجب في الوقت نفسه مراجعة مقدمي الخدمة وتحسين كفاءتهم تماما وكما عملت مع المستهلكين الذين تحملوا (جزئيا) فاتورة ضعف أداء هذه الجهات وارتفاع تكاليفها التشغيلية.

إنشرها