Author

الأمواج الإعلامية لن تغرق النفط

|

لمست في الفترة الأخيرة مبالغة كبيرة من بعض وسائل الإعلام العالمية عموما ومن وسائل الإعلام الغربية على وجه الخصوص، لمست مبالغة غير منطقية ولا موضوعية من وجهة نظري حول قرب ساعة الاستغناء عن النفط. جاءت هذه المبالغة على هيئة أمواج إعلامية عاتية واحدة تلو الأخرى، تشعر المهتم والمطلع على عالم الطاقة وكأنها أمواج منسقة ومن مطبخ إعلامي واحد، فتارة عن اكتساح الطاقة الشمسية للأسواق، وتارة عن تطور نوعي غير مسبوق لطاقة الرياح التي ستخلص العالم من رحمة النفط، أو بتضخيم غير منطقي وموضوعي للسيارات الكهربائية وأن العالم سيستغني عن الوقود المستخلص من النفط قريبا. الحقيقة التي تعكسها الأرقام ولا أصدق من لغة الأرقام، فعلى الرغم من وجود عمل دؤوب وتطور ملموس ومتسارع لا يمكن تجاهله في تطوير مصادر الطاقة الأخرى بأنواعها المختلفة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية والنووية والكهرومائية إلا أنها لا تشكل مجتمعة إلا قرابة 13 في المائة من مصادر الطاقة في العالم، وبحسب بعض الدراسات المستقبلية أنها ستصل إلى 18 في المائة تقريبا بحلول عام 2040، وسيبقى نصيب الأسد للوقود الأحفوري وعلى رأسه النفط ويليه الغاز الطبيعي ثم الفحم. سأضرب مثالا هنا بالولايات المتحدة ومصادرها المختلفة في توليد الطاقة الكهربائية لعام 2016 وذلك لعدة أسباب من أهمها، أنها من الدول الرائدة عالميا في التقنية والبحث العلمي، إضافة إلى مساحتها الشاسعة وتنوع طبيعتها الجغرافية فمنها مناطق صحراوية "مشمسة"، ومنها مناطق جبلية تمتاز بسرعة كبيرة للهواء.
في الولايات المتحدة شكل الوقود الأحفوري قرابة 66 في المائة من مصادر توليد الكهرباء، تليه الطاقة النووية بما يقارب 20 في المائة، وأتت الطاقة المائية في المرتبة الثالثة بنسبة تصل إلى 7 في المائة. العجيب أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية لم تشكلا مجتمعتين إلا 7 في المائة فقط كمصدر لتوليد الكهرباء! من جهة أخرى، لا يمكن بأي حال من الأحوال، بل ومن الإجحاف حصر النفط في توليد الطاقة الكهربائية فقط، فله ولمشتقاته استخدامات كثيرة جدا لا يتسع المقال لذكرها، منها على سبيل المثال لا الحصر ما يدخل في الصناعة التحويلية وسفلتة الطرق والملابس والمنتجات الطبية والطلاء، بل حتى في مستلزمات النساء التجميلية وهذا غيض من فيض. فلك أيها القارئ الكريم أن تتخيل، أن جل المواد المستخدمة في صناعة السيارات الكهربائية ومحطات تزويدها، والخلايا الكهروضوئية لتوليد الطاقة الكهربائية من ضوء الشمس، إضافة إلى توربينات الرياح، جل هذه المواد من مشتقات النفط الذي يندد البعض بانتهاء عصره! بعد الاطلاع على بعض الأرقام الموجزة أعلاه، هل من المنطقي تصديق بعض العناوين في الصحف الغربية التي تصف السيارات الكهربائية أنها "البعبع" القادم الذي سيخفض أسعار النفط إلى ما دون عشرة دولارات؟ وهل من المقبول أن نصغي لمن أقاموا المآتم في تصريحاتهم على انتهاء عصر النفط بسبب الطاقة الشمسية وطاقة الرياح اللتين تحتاجان إلى كثير من العمل لرفع كفاءة إنتاجهما وتقليل تكلفة صناعتهما؟ نعم أنا مؤمن أن في تطور صناعة الطاقة المتجددة خيرا كبيرا لأسباب لعلي أفرد لها مقالا في المستقبل القريب، لكن مما سبق أستطيع القول إنه مهما بلغت بعض الأمواج الإعلامية من قوة فلن تغرق النفط ولن تقلل من دوره الحيوي والمهم للعالم بأسره حتى آخر برميل منه قابل للاستخراج.

إنشرها