Author

ضريبة المبيعات .. ضرورة اقتصادية ملحة

|
يتحامل الشارع السعودي في هذه الأيام على ضريبة المبيعات التي فرضتها الحكومة مع الأول من كانون الثاني (يناير) 2018، وهي من البنود الرئيسة في "رؤية السعودية 2030"، والتحامل ليس على الـ5 في المائة، وإنما على التجار الذين رفعوا الأسعار بشراهة! ما يجب أن نعرفه جميعا أن حزمة الإصلاح الاقتصادي في المملكة التي كانت من بينها ضريبة المبيعات، هي مجموعة إصلاحات بعنوان "رؤية 2030" صدرت عن مؤتمر التنمية المستدامة الذي نظمته هيئة الأمم المتحدة في عام 2015، التي كانت تستهدف من ورائه معالجة الفقر في العالم، وتنفيذ برامج التنمية المستدامة للوصول إلى عالم أفضل، ومستقبل مستدام. وحذرت الأمم المتحدة دول العالم من عصر الذكاء الاصطناعي القادم الذي سيغير الكثير من الموارد، بل سيغير مفاهيم كثيرة في اقتصادات العالم، وستلعب تكنولوجيا المعلومات الدور الرئيس في إدارة اقتصاد المعرفة، ولن يكون البترول موردا رئيسا للدول التي ظلت تعتمد على البترول كمورد رئيس لسنوات طويلة. وعقب انفضاض مؤتمر التنمية المستدامة 2030 قال بان كي مون الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة إن القرارات التي صدرت عن المؤتمر هي بمنزلة تعهد من القادة لجميع الشعوب في كوكب الأرض بالعمل على القضاء على الفقر، وتحقيق المساواة بين البشر والعمل على تحسين المناخ فوق كوكب الأرض، وتقسيم الرخاء بين كل شعوب الكوكب، وحث الأمين العام كل دول العالم على العمل لتحقيق الشراكة العالمية من خلال "رؤية 2030". وأكد بان كي مون أن أجندة التنمية المستدامة 2030 طموحة في مواجهة الظلم والفقر والتهميش والتمييز، وقال في ختام كلمته: "نحن ندرك الحاجة إلى الحد من عدم المساواة وحماية كوكبنا المشترك من خلال تغيير أنماط الاستهلاك والإنتاج، ونحن على دراية تامة بالحاجة الملحة إلى معالجة سياسة الانقسام والفساد واللامسؤولية التي تؤجج الصراع وتعرقل تنفيذ برامج التنمية". من ناحيته، فإن مجلس التعاون الخليجي اتخذ قرارا باعتماد رؤية التنمية المستدامة 2030 التي جاءت بمباركة الأمم المتحدة، وطالب الدول الأعضاء في المجلس أن تصمم "رؤية 2030" ضمن برنامج اقتصادي وطني متقدم. في المملكة اعتمد مجلس الوزراء الموقر "رؤية السعودية 2030"، وكلف المجلس الموقر مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه الأمير محمد بن سلمان بتصميم "رؤية السعودية 2030". ولقد أنجز مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية مشروع "الرؤية" وقسمها على مرحلتين: المرحلة الأولى تنتهي في عام 2020، والمرحلة الثانية في عام 2030. وأهم ما تسعى "الرؤية" إلى تحقيقه هو تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على المورد الواحد، وتحسين بيئة العمل، وتحقيق العدالة بين الجنسين، وبناء المؤسسات الدستورية، ونشر ثقافة الإنتاج، واستغلال جميع الموارد المتاحة في الوطن وبالذات موارد العقول الشابة وموارد الآثار والسياحة والترفيه والثقافة. وإذا رجعنا إلى ميزانية الدولة التقديرية لعام 2018 نلاحظ أن الميزانية تتضمن تحقيق كثير من أهداف "رؤية السعودية 2030"، حيث إن البترول يمثل نحو 50 في المائة من إيرادات الميزانية، وليس 90 في المائة كما كان الحال عليه طوال ما ينوف على الـ50 عاما. إن "رؤية 2030" الأممية تلتئم مع عصر الاقتصادات الذكية الذي يتميز بزيادة الإنتاجية وخفض التكاليف وتقليل المخاطر، ولذلك فإن "رؤية السعودية 2030" ستلقى دعما كبيرا من ثورة الذكاء الاصطناعي التي نحن نقترب من مشارفها، وستكون الانطلاقة الفعلية لهذه "الرؤية" في عام 2018 حيث تتحقق في هذا العام فرصا استثمارية تاريخية مع عائدات تفوق بعشرات المرات عائدات الثورة التكنولوجية التي بدأت في عام 2000. وعلى سبيل المثال ستعمل الأنظمة المالية على إدارة الاستثمارات والتداولات وتحقيق الأرباح بشكل ذكي بأقل نسبة من المخاطر وإجراء العمليات الاقتصادية عبر روبوتات ذكية بدقة عالية، وصناعة المنتجات والسيارات والآلات بتكلفة أقل وبفاعلية أعلى والحصول على التعليم والشهادات العلمية من دون الذهاب إلى المدارس والجامعات وتكبد الأقساط، بل تلقي العلوم بحجم أكبر واستيعاب المعلومات بطريقة أسرع بكثير من السابق. من ناحيته، فقد تبنى مجلس التعاون الخليجي مشروع "رؤية 2030" وطالب الدول الأعضاء بضرورة اعتماد تنفيذه. الذي لاحظناه في السوق السعودية أن المواطن لا يعترض على الضريبة المضافة، وإنما يشكو من التجار الذين استغلوا فرض ضريبة الـ 5 في المائة فرفعوا الأسعار بنحو 50 في المائة، وكان المنتظر أن تبادر وزارة التجارة بتعقب هؤلاء التجار وتطبيق أشد العقوبات عليهم، ولكن المؤسف أن وزارة التجارة تركت الحبل على الغارب، ولم تتحرك إزاء التجار الذين أخذهم الجشع وضاعفوا أسعار السلع مستغلين قصور وارتباك وزارة التجارة. وفي ضوء ذلك فإن "رؤية السعودية 2030" بدأت من أروقة الأمم المتحدة، وتبنتها الكثير من دول العالم التي باشرت في تنفيذ حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي أوصت الأمم المتحدة كل دول العالم بتطبيقها وتنفيذها كي تحمي نظامها الاقتصادي والسياسي من التعرض للأضرار. ولذلك من المهم أن تتضمن هذه الإصلاحات فرض ضرائب على المواطنين، ومنها الضريبة المعروفة باسم ضريبة المبيعات لتحقيق المواءمة بين متطلبات الاقتصاد الوطني ومتطلبات الاقتصاد الدولي.
إنشرها