Author

الأسواق الناشئة.. إلى مزيد من التدفقات المالية

|
جاءت تدفقات الأموال إلى الأسواق الناشئة العام الماضي، لتؤكد مجددا أن هذه الأسواق ماضية قدما في اجتذاب استثمارات خارجية في أدوات مختلفة، كما أنها لم تشكل صدمة من حيث حجمها المرتفع، فيما لو قورنت بتوقعات عديد من المؤسسات الاقتصادية العالمية. ولا شك أن النمو المرتفع في هذه الأسواق، الذي يقابله نمو منخفض في البلدان المتقدمة، أسهم في ارتفاع حجم الأموال المتدفقة. يضاف إلى ذلك سلسلة من الإصلاحات اعتمدتها حكومات عدد من البلدان الناشئة العام الماضي، إلى جانب زوال المخاطر الاستثمارية أو تراجعها في غالبية هذه البلدان. كل ذلك يحدث، رغم التوترات السياسية في بعض المناطق الآسيوية وغيرها، ما يعزز الاعتقاد بأن الجانب الاستثماري في الأسواق الناشئة يمضي قدما. أرقام التدفقات المشار إليها كبيرة وفق معهد التمويل الدولي، حيث بلغت 235 مليار دولار في الأسهم والسندات، الأمر الذي أضاف لاقتصادات الأسواق الناشئة 130 مليار دولار إلى احتياطياتها من العملات الصعبة. اللافت أن جانبا كبيرا من التدفقات المالية صب في أدوات الدين التي بلغت أكثر من 35 في المائة تقريبا مقارنة بحجمها في عام 2016. وبالطبع جاءت آسيا في مقدمة المناطق، حيث شكلت نصف الرقم الإجمالي. غير أن النقطة اللافتة بالفعل هي تراجع حجم التدفقات المالية الخارجة من الصين إلى مستوى كبير جدا. إلا أن بعض الجهات الدولية تعتقد بعدم وجود خلل حتى الآن في هذه المعادلة، وذلك نظرا لتحسن هذه التدفقات في أواخر العام الماضي. وفي كل الأحوال لا تزال الأسواق الناشئة تشكل محورا استثماريا عالميا كبيرا جدا ينافس منذ سنوات الأسواق في الدول المتقدمة. فهذه الأخيرة شهدت اضطرابات نتيجة لمواقف ومتغيرات سياسية، مثل السياسة الاقتصادية التي تتبعها الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترمب، والآثار التي تركها قرار انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى المشكلات الاقتصادية التي تعانيها بعض البلدان الأوروبية، بما فيها فرنسا نفسها. رغم أن التوقعات تشير إلى تحسن النمو في هذه الأخيرة في العام الجاري. الأسواق الناشئة تستقطب أموالا من الخارج (ولا سيما الغربي) ومن بعضها البعض، الأمر الذي يضيف مزيدا من الثقة لها في المرحلة المقبلة، فضلا عن تحسن أداء الاقتصادات التي تديرها. وأسهمت الاحتياطيات المتزايدة في بلدان الأسواق الناشئة في دعم الحراك الاستثماري على اختلاف أنواعه، ولا سيما بعدما بلغ إجمالي هذه الاحتياطيات 5.6 تريليون دولار، وهو مستوى لم تبلغه هذه الدول في أي وقت من تاريخها مجتمعة. كل ذلك يدفع للاعتقاد أن التدفقات المالية إليها ستتواصل في العام الجاري، نحو الأسهم والسندات. فأدوات الدين تشكل محورا رئيسا للجهات الأجنبية الراغبة في الاستثمار نظرا للعوائد المرتفعة، والضمانات التي توفرها الحكومات بهذا الخصوص. المستقبل يبدو مشرقا في الأسواق الناشئة، في المدى القريب على الأقل، مع انتهاء كل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على الساحة الدولية، الأمر الذي دفع أخيرا صندوق النقد الدولي لتشجيع الحكومات في كل مكان على رفع وتيرة الإصلاحات لتجاوز ما تبقى من آثار لهذه الأزمة. ولا شك أن الأسواق الناشئة حققت قفزات كبيرة في السنوات القليلة الماضية في هذا المجال، ما يفسر التدفقات المالية الكبيرة إلى أدواتها الاستثمارية.
إنشرها