أخبار اقتصادية- عالمية

التعدين في أعماق البحار ثروة .. ذهب المحيطات يقارب 150 تريليون دولار

 التعدين في أعماق البحار ثروة .. ذهب المحيطات يقارب 150 تريليون دولار

لا يمكن إنكار الدور الذي لعبته المحيطات في حياة الإنسان منذ الأزل، إذ يمكن القول إن لها دورا أساسيا في كل شيء، بدءا من الهواء الذي نتنفسه، انتهاء بالطعام الذي نتغذى به.
ومع هذا فإن معرفتنا بعالم المحيطات لا تزال محدودة بشكل كبير، وتقتصر في الغالب على المياه الضحلة، ولا تزال المياه العميقة وما فيها من ثروات وموارد معدنية لغزا يسعى العلماء إلى فك طلاسمه.
وفي الواقع، فإن السنوات الأخيرة شهدت ما يمكن اعتباره طفرة أولية في مجال التنقيب عن المعادن في المحيطات، فالتنقيب في قيعان المحيطات اقتصر لسنوات طويلة على مجال البحث عن النفط والغاز، أما الآن فالدائرة تتسع لتشمل التنقيب على المعادن.
ومع نضوب مخازن الثروات المعدنية في البر، أصبح التعدين في قاع المحيطات أكثر جاذبية، باعتبار أن قاع المحيطات يحتوي على الذهب والنحاس وغيرها من رواسب المعادن الثمينة التي تستخدم في صنع الأجهزة الإلكترونية، وأدوات الطاقة المتجددة وحتى آلات التصوير الطبي.
ومنحت الهيئة الدولية لقاع البحار التابعة للأمم المتحدة، التي تنظم عملية التعدين في أعماق البحار والمحيطات عشرات من العقود الدولية للبحث عن المعادن في جميع محيطات العالم، وتظهر الدراسات أن هناك ثلاثة أنواع رئيسية من المعادن في أعماق المحيطات، من بينها النحاس والزنك والذهب والفضة وتلك المعادن توجد حول فتحات الماء الحار في قاع المحيط.
كما توجد أيضا قشور الحديد والمنجنيز، لكن على أعماق تراوح بين 400 متر إلى 5 آلاف متر تحت سطح الماء، أما النوع الآخر من المعادن فيوجد في أعماق تصل إلى أكثر من ستة آلاف متر تحت سطح البحر، إلا أن المستوى الحالي من التكنولوجيا لا يؤهل الإنسان إلى التنقيب في تلك الأعماق السحيقة.
ويقول لـ "الاقتصادية"، ريتشارد دين الباحث في الهيئة الدولية لقاع البحار، "إن ما تم استكشافه من إجمالي مساحة المحيطات لا يتجاوز 5 في المائة من مساحتها الإجمالية، وخلال عقد الستينيات من القرن الماضي كان هناك تركيز شديد على البحث عن المعادن في قاع المحيطات، بعد أن أثبتت الأبحاث أن قاع المحيطات يمكن أن يصبح مصدرا رئيسيا لتلبية احتياجات البشرية من المعادن، إلا أن انهيار أسعار المعادن في السبعينيات فضلا عن السهولة النسبية للحصول عليها في الدول النامية، أدى إلى انحسار الاهتمام باستخراج المعادن من قاع البحار والمحيطات".
ويضيف ريتشارد دين، أنه "خلال السنوات الأخيرة ظهر اهتمام متجدد من القطاع الخاص والحكومات على حد سواء بإمكانية الاستغلال التجاري للمعادن البحرية، وذلك بفضل التطور التكنولوجي في عملية استخراج المعادن من المحيطات، إضافة إلى التوقعات الراهنة بزيادة الطلب على المعادن مستقبلا، نتيجة تنامي عملية التصنيع في الاقتصادات الناشئة، ونمو الطبقة المتوسطة عالميا نتيجة ارتفاع مستوى المعيشة، والحاجة البشرية إلى بنية أساسية أكثر تعقيدا وتنوعا".
وينبئ التعاون المشترك بين القطاع الخاص والحكومات في هذا المجال، بعصر جديد للتعدين في المحيطات، وفي هذا الإطار، ستقوم شركة كندية خاصة خلال الأشهر المقبلة بإرسال ماكينات تنقيب عملاقة تعمل عن بعد للتنقيب عن المعادن في بابوا غنيا الجديدة، وهو ما يعتبره بعض المختصين بداية لتجربة قد تسهم في إنعاش اقتصادات عديد من البلدان الفقيرة.
وتخطط شركة التعدين الكندية "نوتيلوس للمعادن" لإرسال روبوت إلى "أماكن الألغام" الغنية بالنحاس والذهب في مياه بابوا في غينيا الجديدة، ويبدو أن دولا أخرى ستلحق بالركب قريبا، حيث منحت الهيئة الدولية لقاع البحار، التي تنظم عمليات التعدين في أعماق البحار، 25 عقدا دوليا للبحث.
وسيعمل روبوت شركة "نوتيلوس"عن طريق الزحف في قاع البحر والتقاط العينات ليتم نقلها إلى السطح، ولن تكون هذه المهمة سهلة بسبب ضغط المياه ودرجات الحرارة الباردة للغاية، فيما يعمل الباحثون في الشركة على القيام بتجارب تحاكي عمليات التنقيب في أعماق البحار ليروا كيفية تأثيرها في البيئة الطبيعية.
الدكتور هاردي دونالد أستاذ الاقتصاد الدولي، على الرغم من تحفظه على عمليات التنقيب المعدني في المحيطات، لما قد تتضمنه من مخاطر بيئية على حد قوله، إلا أنه لا ينفي أن لها عديدا من الفوائد الاقتصادية، خاصة للجزر والبلدان صغيرة المساحة.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "التنقيب عن المعادن في المحيطات يمكن أن يحقق التوازن بين المنافع المجتمعية لاستخراج المعادن من جانب، وعدم تضرر السكان عبر عمليات نزوح مجتمعي من جانب آخر"، مشيرا إلى أنه في البلدان صغيرة المساحة تترافق في كثير من الأحيان عملية التنقيب على المعادن مع أبعاد كتل سكانية ضخمة عن حواضنها البيئية الطبيعية، وأماكن استقرارها التاريخية، وهو ما يستبعد حدوثه في التنقيب المعدني في المحيطات.
ويستدرك دونالد "كما أن عملية التنقيب في اليابسة غالبا ما تترافق مع تعويضات مالية ضخمة للسكان المتضررين من عملية التنقيب، وهو ما يؤدي إلى تقلص العائد الحكومي لإحداث تطوير حقيقي في البنية الأساسية، وفي حال عدم تعويض السكان، فإن ذلك يترافق مع وضع من عدم الاستقرار الاجتماعي الذي يعوق عملية التنمية، وكل تلك المخاطر تتلاشى في التعدين البحري".
ويلاحظ أن معظم الاهتمام بعملية التنقيب على المعادن في المحيطات، خاصة في السنوات الخمس الأخيرة يأتي من القطاع الخاص، وهذا الأمر يطرح تساؤلات حول طبيعة الفوائد التي يمكن أن يحققها هذا النوع من الاستثمار، خاصة في ظل تكلفته المالية المرتفعة للغاية.
المهندس أليكس هالبون المختص الاستشاري في مجال التنقيب على المعادن، يعتقد أن حجم الأرباح التي يمكن أن يحققها القطاع الخاص على الأمد الطويل من هذا الاستثمار ضخمة للغاية.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن التقديرات الراهنة وهي بالطبع أولية، لأنه لا يوجد لدينا خريطة تفصيلية بكميات المعادن في المحيطات، تشير إلى وجود نحو عشرة مليارات طن من المعادن في قيعان المحيطات "30 في المائة منها منجنيز، و1.5 في المائة نيكل، و1.5 في المائة نحاس، و0.3 في المائة كوبالت"، إضافة إلى أنواع من المعادن التي يندر وجودها على اليابسة، وأغلبها معادن تستخدم في الإلكترونيات والتكنولوجيا النظيفة مثل توربينات الرياح والسيارات الهجينة، وبعض الجيولوجيين اليابانيين يقدرون أن كل 2.3 كيلو متر مربع من قاع المحيط يحتوي على ما يكفي من المواد الأرضية النادرة لسداد الطلب العالمي لمدة سنة.
وحول العوائد المالية من التنقيب المعدني في المحيطات، يؤكد هالبون أن العائد السنوي سيراوح بين 3.5-5 مليارات دولار سنويا كبداية، وسط توقعات بتزايد هذا العائد مع اتساع نطاق ومساحة عمليات التنقيب، أما كميات الذهب المتوافرة في قاع المحيطات فتعادل ما يقارب 150 تريليون دولار، أي ما يوازي 21 ألف دولار لكل فرد من سكان الكرة الأرضية.
ومع هذا، لا يزال هناك تيار عريض من الاقتصاديين يعتبرون أن عمليات التعدين في قاع المحيطات، غير ذات جدوى تنموية بالنسبة إلى البلدان الفقيرة، معتبرينها تدخلا في إطار عملية نهب الثروات التي تمارسها الشركات متعددة الجنسيات ضد تلك البلدان.
الدكتورة ميشال إيفانز أستاذة التنمية الاقتصادية، تعتبر أن هناك مبالغة إعلامية في الجدوى الاقتصادية للتنقيب على المعادن في قاع المحيطات بالنسبة إلى البلدان ذات الدخل المنخفض، وتوضح لـ "الاقتصادية"، أن المستفيد الأكبر من عملية التنقيب، هو الشركات الدولية الكبرى وليس الحكومات، خاصة في الدول والجزر الصغيرة.
وتشير إيفانز إلى أن شركات التنقيب تبرر حصولها على الجانب الأكبر من تلك العوائد بالتكلفة الضخمة للتكنولوجيا المستخدمة في عمليات التنقيب، "ولهذا وجدنا أن حكومة بابوا غنيا الجديدة لم تحصل سوى على 15 من العوائد، بينما حظيت الشركة الكندية بالنصيب الأكبر، وهذا يجعل عمليات التعدين غير ذات تأثير جوهري في عملية التنمية بالنسبة إلى البلدان الصغيرة".
وتضيف إيفانز أن "الحديث عن إدخال تلك الشركات للتكنولوجيا المتقدمة في تلك البلدان، أو زيادة معدلات التوظيف أمر مشكوك فيه أيضا، إذ إن طبيعة عمليات التنقيب في المحيطات كثيفة رأس المال والتكنولوجيا المتطورة للغاية التي لا تتطلب كثافة عمالية، وإنما تتطلب فنيين ومهندسين وجيولوجيين على درجة عالية من المعرفة، ومن ثم فلن تؤدي إلى خفض معدلات البطالة، كما أن أغلب العاملين في عمليات التنقيب ينتمون إلى الدول المتقدمة تكنولوجيا، لأن مخرجات العملية التعليمية في الدول المستضيفة لتلك الشركات، لا تؤهلها إلى العمل في وظائف تقنية متقدمة، وأغلبها يصنف تحت بند العمالة غير الماهرة".
ومن شأن التعدين تحسين مستوى المعيشة في الدول النامية مثل الصين والهند، فضلا عن الحاجة إلى مخزون كاف من هذه المعادن من أجل استخدامها في مجال الطاقة المتجددة، مثل توربينات الرياح والألواح الشمسية التي تتطلب المعادن النادرة الموجودة في أعماق المحيط.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية