Author

هل ستعجل أزمة كوريا الشمالية برحيل تيلرسون؟

|

في علاقة سيد الأبيض مع وزير خارجيته لم يحدث من قبل في تاريخ الولايات المتحدة الحديث ذلك الغموض والتضارب والود المفقود الذي نراه اليوم متكررا بين الرئيس دونالد ترمب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون. ولئن عزا البعض ذلك إلى شخصية ترمب المتوترة -وجزء من هذا مرتبط، بطبيعة الحال، بما يحيكه الديمقراطيون وشبكاتهم الإعلامية القوية من مؤامرات لإزاحته أو إجباره على الاستقالة- فإن تيلرسون ليس مُعفى من المسؤولية تماما. فالأخير القادم من عوالم النفط (كان قبل تعيينه وزيرا للخارجية يشغل منصب الرئيس التنفيذي الأعلى لشركة إكسون موبيل النفطية العملاقة) دون خبرة واسعة بأصول الدبلوماسية لم يترك فرصة دون استفزاز رئيسه بمواقف يعرف مسبقا أنها لا تتوافق مع خطط ومزاج ترمب، ولا سيما في ما يخص كيفية التعامل مع نظام بيونجيانج الطائش وزعيمه الموتور كيم جونج أون. ويمكن القول إن رأس الدبلوماسية الأمريكية ذهب بعيدا لجهة التعامل مع الملف الكوري الشمالي دون التنسيق مع رئيسه مستفيدا من خاصية في النظام الأمريكي هي أن وزير الخارجية مستقل في عمله عن رئيس البلاد ، وليس ملزما برفع تقارير عن جهوده وعمله لسيد البيت الأبيض. والشواهد على صحة ما نقول أكثر من أن تحصى. وإذا كان أول هذه الشواهد ما قاله ترمب في تغريدة له من أن جهود وزيره الدبلوماسية مع بيونجيانج ليست سوى فخ ومضيعة للوقت، وإن آخر الشواهد هو قيام تيلرسون خلال اجتماع لمنتدى المجلس الأطلسي هذا الشهر بتقديم عرض مفاجئ لحكام كوريا الشمالية للدخول في مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة حول ترسانتهم وبرامجهم النووية والباليستية المهددة للأمن والاستقرار في شمال شرق آسيا. وهذا العرض، كما هو معروف، رفضته بيونجيانج بغرور مثلما رفضت عرضا مماثلا قدمه جيفري فيلتمان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية الأمريكي الجنسية، بحجة أن الوقت الراهن ليس مناسبا لإجراء مباحثات.
وكما في المرة الأولى انبرى عدد من مسؤولي الإدارة الأمريكية لمقترح تيلرسون الجديد معربين على لسان ترمب ضيق الرئيس وحرجه وعدم اتفاقه مع رؤى وزيره، قائلين إنه لا يمكن إجراء مفاوضات إلا بعد أن تحسـّن كوريا الشمالية سلوكها وإن "على بيونجيانج أن تبدأ أولا بنزع السلاح قبل أي حديث معها". وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى ما أعلنته سارة هوكابي ساندرز السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض نصا وهو "لم تتغير مواقف الرئيس بشأن كوريا الشمالية لأنها تتصرف بطريقة عدوانية تجاه اليابان وكوريا الجنوبية والعالم بأسره بل تجاه الصين أيضا".
قلنا إن الغموض يكتنف علاقة ترمب بوزيره. فالبعض يقول إن الأول لم يعد يطيق الثاني منذ الأخبار التي ورد فيها أن تيلرسون وصف رئيسه في اجتماع مع مسؤولي البنتاجون بـ"الأحمق" بحسب شبكة سي بي سي الإخبارية، مضيفين أن ترمب عازم في يناير المقبل على اختيار بديل لوزير خارجيته -المرشح الأبرز هو المدير الحالي للاستخبارات المركزية مايك بومبيو- خصوصا بعدما نما إلى علم ترمب أن تيلرسون ينسق مع السيناتور الجمهوري بوب كوركر لتعزيز مكانته في مواجهة المتذمرين من سياساته ومواقفه.
أما البعض القليل الآخر فله رأي مخالف مفاده أن علاقة ترمب مع تيلرسون جيدة فيما يتعلق بالملفات السياسية، خصوصا مع نفي تيلرسون المتكرر للأنباء التي تتحدث عن قرب رحيله. ويذهب هؤلاء، من أمثال هيذر نويت المتحدثة باسم الخارجية، إلى حد القول إن تيلرسون هو خيار ترمب الأفضل لإدارة الخارجية لأنه مفيد لجهة جعل العالم تائها حيال الخطط الأمريكية، وإن السحابة التي تخيم على علاقاتهما من وقت إلى آخر تتعلق تحديدا بأشياء شخصية ليس إلا.
وهناك فريق ثالث يرى أن هكذا علاقة بين الرئيس ووزيره تنم عن فقدان الثقة، وترسل رسالة سلبية للقوى العالمية المنافسة مثل الصين وروسيا الاتحادية مفادها أن واشنطون مترددة وليس لها خطاب سياسي موحد تجاه ملفات عدة مثل كوريا الشمالية واتفاق باريس المناخي ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس والموقف من النظام الإيراني. وكلها ملفات لوحظ فيها تباين بين ترمب ووزير خارجيته. ويرى هذا الفريق أيضا أن المسؤولين الأجانب باتوا يتساءلون علنا إن كانت مواقف تيلرسون تعبر عن سياسات الإدارة الترمبية أم أنها مواقف خاصة بالوزير كي يبنوا ردودهم عليها. ويمكن القول إن أكثر العواصم التي تقلقها هذه التباينات بين مواقف الرئيس ووزيره هي طوكيو وسيئول المعنيتان أكثر من أي جهة أخرى باستفزازات كوريا الشمالية لهما وللمجتمع الدولي. ومن هنا فإن رحيل تيلرسون، سواء جاء على وقع الأزمة الكورية أو أزمة أخرى، سوف يكون خبرا مفرحا للعاصمتين، خصوصا إذا ما حلت مكانه شخصية واضحة وحاسمة مثل مايك بومبيو الذي لا يختلف خطابه عن ترمب.

إنشرها