السياسية

إيران .. الشعب ينفض عنه عباءة "الملالي" التخريبية

إيران .. الشعب ينفض عنه عباءة "الملالي" التخريبية

مواجهات عنيفة بين الأمن والمتظاهرين شهدتها عدة مدن إيرانية.

إيران .. الشعب ينفض عنه عباءة "الملالي" التخريبية

ودّع الإيرانيون سنة 2017 على وقع احتجاجات عمت عدة مناطق في أنحاء البلاد، منها مدينة مشهد؛ ثاني أكبر المدن الإيرانية (أربعة ملايين نسمة)، ويزد بوسط البلاد، وشاهرود في محافظة سمنان بالشمال، ضد السياسات التي ينهجها النظام الحاكم في طهران، على الصعيدين الداخلي والخارجي. وقد وصف المسؤولون تلك التظاهرات بـ "غير القانونية"؛ معتبرين أن رجال الأمن تعاملوا معها بكثير من التسامح، على الرغم من اعتقال العشرات من المشاركين فيها بتهمة محاولة "تخريب الممتلكات العامة".
وصلت درجة الغليان في أوساط المجتمع الإيراني حدا فرض نقل الاحتجاجات إلى الشوارع والميدان العام، بعدما كانت في السابق محدودة مكانيا وفئويا، بالاقتصار على أماكن معينة ومناسبات محددة (الجامعات، ملاعب كرة القدم، ..).
كان إعلان حكومة حسن روحاني الأسبوع المنصرم عن نيتها الزيادة في أسعار الوقود والخبز وبعض المواد الغذائية الأساسية، أحد الأسباب الرئيسة وراء تجدد التظاهرات التي بدأت تكبر تدريجيا ويتسع مداها مثل كرة ثلج مندفعة، ما دفع بالسلطات في طهران إلى إعلان حالة تأهب قصوى، واستدعاء كل المنتسبين لقوات الأمن الداخلية.
يأتي هذا الاستنفار، بعدما تأكد صناع القرار داخل النظام من كون هذه الانتفاضة الشعبية مخالفة لما درجوا على التعامل معه في الأشهر الماضية، من إضرابات قطاعية واحتجاجات عمالية في مدن مختلفة، كانت الحكومة قادرة على تطويقها ولو بشكل مؤقت. نقيض ما يحدث حاليا، حيث تتجه الأحداث لو استمرت إلى الخروج عن سيطرتها، فهي لم تعد مرتبطة بشريحة معينة، لأن شعار الانتفاضة هو "لا للغلاء" الذي يجد ثلثي الشعب الإيراني أنفسهم معنيين به.
إذ لا يزال الاقتصاد الإيراني يعاني صعوبات، ولم يلمس كثير من أبناء البلد أي انعكاس للاتفاق النووي على أوضاعهم المعيشية، بسبب تبادل المصالح وسوء التدبير والفساد الذي ينخر دواليب الدولة على مدار عقود. فوفق مركز الإحصاءات الإيراني ارتفعت نسبة البطالة بدرجة ونصف؛ 1.4 في المائة، حيث سجلت 12.4 في المائة خلال السنة الماضية، وهناك أكثر من 3.2 مليون عاطل عن العمل في دولة يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة، منهم نحو الثلث (25 مليون نسمة) تحت خطر الفقر، ونصف السكان بحاجة إلى مساعدات حكومية.
تبرر هذه المعطيات حالة الاستنفار تلك، فالسياسة الحكومة المعزم اعتمادها، لن يكون بمقدور شرائح واسعة في إيران؛ وبالخصوص الطبقة المتوسطة التي كانت دائما المحرك الرئيس للانتفاضات في إيران، تحملها في ظل أوضاعها المزرية.
يضاف إلى ذلك، دخول المعطى السياسي في الفعل الاحتجاجي بإيران، فمطالب وشعارات المتظاهرين لم تعد تقف عند حدود المطالب الاجتماعية (الخبز، الشغل)، وإنما تجاوزت ذلك إلى المطالبة بالعدول عن السياسات الإيرانية في الخارج، في مقدمتها التخريب المستمر والممنهج، ولكل وكلائها المحليين في عديد من الدولة بالمنطقة العربية (اليمن، لبنان، العراق، البحرين...).
وقد ظهر ذلك بوضوح في الشعارات التي رفعها المشاركون في هذه المظاهرات بمختلف مناطق البلاد، من قبيل: "الموت للديكتاتور" و"الموت لروحاني"، "لا غزة ولا لبنان، حياتي في إيران"، و"غادروا سورية.. فكروا فينا".. إلى غير ذلك، ما يؤكد أن الشعب يضع نظام الملالي أمام معادلة جديدة، تتعدى مجرد توزيع فتات الثروة على بعض الطبقات والفئات الاجتماعية بغرض شراء صمتها من حين لآخر، إلى الدعوة لمراجعة السياسة الخارجية لإيران، والانسحاب من الجبهات التي ورط فيها رجال الحرس الثوري الإيراني، وفي مقدمتها المستنقع السوري حيث هتف المتظاهرون برفضهم مختلف الحجج التي سيقت لتبرير نشر القوات الإيرانية هنا منذ 2011.
يبدو أن منهج تصدير الأزمات الذي اشتغل وفقه الحكام في طهران، طوال عقود من الزمن، لم يعد مقنعا لشرائح واسعة من المجتمع الإيراني. وتحديدا الجيل الصاعد من الشباب الإيراني، الذي لم يعش على أحلام "تصدير الثورة"، ولا تغريه خطب رجال الدين، ولا سمفونيات أصحاب العمائم في المنابر.. بل إن بعضهم رفع شعارات تتهم السلطات باستغلال الدين وإذلال الشعب. في المقابل استطاع هؤلاء معاينة انتشار الحريات الفردية في العالم، ومستوى رفاهية وعيش الشعوب في العالم الافتراضي، رغم تضيق ورقابة السلطة الحكومية عليه.
ما أصعب اللحظات التي ينقلب فيها السحر على الساحر، فتاريخيا كان تأليب الأوضاع داخل البلدان، وتشجيع التمرد ضد الحكومات، واستغلال الأقليات الشيعية من خلال توفير كل أنواع الدعم لها، ديدن عمل النظام الإيراني في عديد من المناطق بالعالم. يرد اليوم على الماسكين بزمام الأمور في إيران، بلا تدخل خارجي؛ بحسب ما أكدته السلطات نفسها، حيث اكتفت باتهام المتظاهرين بركوب موجة الاحتجاجات واستغلالها لأغراض معادية للدولة.
وإنما بفعل تزايد الوعي الشعبي لدى أبناء البلد، ممن يرون ثروات بلادهم تهدر ما بين السعي لتحقيق رفاهية أقلية حاكمة تدير البلاد بقبضة من حديد متبادلة المصالح فيما بينها، وتخريب بلدان مجاورة لتحقيق أحلام اليقظة وإلهاء الشعب عن المطالبة بحقوقه الأساسية.
لا شك أن المظاهرات المتكررة في فترات متوالية من السنة الماضية قدمت فرصة ذهبية لمن يصنعون القرار في طهران، بغرض مراجعة أنفسهم والعدول عن تلك الممارسات التي تزيد من استعداء الأفراد للسلطة؛ في الداخل والخارج على حد سواء.
ينبغي على الساسة في إيران أن يدركوا أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تفقد قوتها وجبروتها، بمجرد ما فتحت لنفسها معارك في الخارج (فيتنام، أفغانستان، العراق...)، والظاهر أن إيران تسير على المنوال ذاته، بعد تورطها في عدة دول أبرزها سورية، فلولا التدخل الروسي لانتهى أمرها هناك. لكن الخطر الأكبر يبقى في الداخل، أي انتفاضة الشعب ضد النظام، التي عشنا بعضا من فصولها على مدار السنة الماضية.
يبدو أن صلاحية تصدير الأزمات انتهت، ولا سبيل أمام النظام الإيراني إن أراد البقاء سوى مراجعة سياساته الخارجية، وتحويل نفقاته الطائلة عليها إلى الداخل الإيراني واستثمارها فيما يحقق به أمن ورخاء واستقرار شبعه حتى لا يعيد التاريخ نفسه على غرار ما حدث نهاية السبعينات مع الشاه.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من السياسية