إنكار المرض

اكتشفت أن هناك شريحة ليست قليلة ترفض عمل تحاليل دورية وقد تجاوزوا 50 عاما رغم المعاناة الصحية، وإذا طلبت منهم عمل فحوصات دورية قال لك "لا ما ودي أعرف وش فيني بعدين يضيق صدري". والبعض وضعه أخطر، حيث إنه عمل تحليل سكر أو ضغط أو دهون واكتشف خللا في أحدها، ما سبب له رعبا "غير مبرر" وحاول أن ينكر أيا من هذه الأمراض اعتقادا منه أن الذي يفكر بالمرض يصاب به "عدة اعتقادات وموروثات خاطئة" لأن مثل هذه الأمراض "الصامتة" التي إذا بدأت تظهر الأعراض يعني أن المرض استشرى في الجسم وقد يسبب تدميرا للشعيرات الدموية دون رجعة، ما يجعل علاجه صعبا وقد يصاب بفشل كلوي أو خلل في شبكية العين. ولو اهتم بالوقاية والتشخيص المبكر لتفادى تفاقم الأمور إلى الأسوأ. غريب أمر هذا الإنسان تجده يحرص على كل دقيقة لأمور دنياه وهذا إيجابي لكن عندما يأتي موضوع الصحة فيأتي الإنكار والعناد. وقد شاهدت بعض الأثرياء من المسؤولين الكبار لا يهتمون بصحتهم ويعتقدون أن الجسد بما أنه قائم فلا تعقب عليه. وما زلت أذكر ذلك المريض الثري الذي اكتشفنا عنده سرطانا جلديا لا بد من استئصاله قبل أن ينتشر وجلسنا تقريبا ستة أشهر نحاول أن يأتي للعيادة وهو يؤجل ويتعذر بكثرة الأشغال. ولو عرف الناس أنهم محاسبون على أنفسهم، وإنما أجسادهم هي وديعة أودعها الله لهم فلا بد أن يحرصوا عليها من الأمراض ويهتموا كثيرا بالجانب الوقائي. وأعتقد من يرفض العلاج بعد التشخيص فهو مقصّر خاصة من عنده سكر ويعاند بأكل التمر ولا يكترث إذا ارتفع معدل السكر مع أن هذا الارتفاع له تأثير سلبي على الشعيرات الدموية بالكلى والعين وغيرها. وأنصح علماءنا وخطباء المساجد بالتركيز على أن من لا يتبع نصيحة الطبيب الوقائية فهو مقصّر لأنه لم يراع أمانة الله عنده وهو الجسد وأنه وديعة لا بد أن يحافظ عليها. وطبيعة بعض المرضى مع المرض هي مراحل صعبة أحيانا لأنها تبدأ بالإنكار والتهرب من عمل تحاليل ثم يعاني من صدمة المرض ويحاول تناسيه ثم يواجه الحقيقة ويتقبل المرض على مضض ويكون قد قرأ عنه وعرف عن مخاطر تأخير العلاج فيدخل العلاج وهو محبط وخجل منه ولا يريد أحدا أن يعرف عن مرضه لأنه يخشى الشيخوخة. وينتهي مشواره مع المرض وهو متقبل ومتعايش، وهذا قد يأخذ سنينا، ما قد يجعل المرض يستفحل مثل أن يكون سكرا أو ضغطا أو غيرها. بصدق أنه طريق طويل وشاق.. إذا لماذا لا نتعامل مع أي مرض تعاملا حضاريا علميا "شرعيا". أقصد أن يكون الإنسان متوكلا على الله حق توكله ويعلم أنه "ما أصابه لم يكن ليخطئه" فيصبر بهدف الأجر. قال تعالى: "إنما يُوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب" ويشكر الله على نعمه الكثيرة ويشكره على أي ابتلاء لأن "الله إذا أحب عبدا ابتلاه" قال تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون". أليس المرض هو من يقربنا من الله، حيث إننا ندعوه أن يزيل منا هذا المرض؟ فالله يقربنا منه من حيث لا نشعر وما يدريك أن الله أحبك فابتلاك فدعوته واقتربت منه وشفاك. إنها رحلة جميلة مع الله. أسأل الله أن لا يصيبكم بمكروه ولا يحرمكم أجر المرض. إن التعامل الحضاري مع أي مرض هو الاعتراف السريع والصبر والرضا والشكر للرحمن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي