FINANCIAL TIMES

حال منع استخدام الفحم.. ماذا إذا لم تشرق الشمس في ألمانيا؟

حال منع استخدام الفحم.. ماذا إذا لم تشرق الشمس في ألمانيا؟

يستغرق الأمر بضع دقائق لتدرك أن هنالك شيئا ما غير طبيعي بشأن بودلفيتز.
ليس هنالك أي أناس في الشوارع ولا توجد سيارات في المواقف أمام البيوت.
الحدائق أصبحت تنمو دون رعاية. باستثناء صوت عويل رياح كانون الأول (ديسمبر) الجاري، لا تسمع هناك أية أصوات. انظر جيدا من خلال أي نافذة، ستجد أن كل ما يمكنك رؤيته في الداخل هو غرف فارغة.
من بين البيوت والمزارع الغريبة القليلة في هذه القرية الألمانية الشرقية، التي يبلغ عدد سكانها 40 شخصا فحسب، هناك سبعة منها، فقط، مأهولة بالسكان. أما البقية فهي مهجورة منذ خمس سنوات، حين قرر ساكنوها الحصول على أموال التعويض التي قدمتها شركة تشغيل منجم الليجنايت الضخم الموجود في القرية.
لقد انخفض عدد السكان من 140 نسمة في ذلك الحين إلى 28 شخصا اليوم.
تقع قرية بودلفيتز على بعد نحو 30 كيلومترا جنوبي لايبزيج، في قلب المنطقة التي كانت تستخرج وتحرق الليجنايت - أو الفحم البني - منذ القرن التاسع عشر.
بقدر ما يستطيع أن يتذكر أي شخص يعيش هنا، فقد توسعت المناجم حيث ابتلعت الحقول والغابات وقرى بأكملها، على طول الطريق. وقد تكون قرية بودلفيتز هي التالية.
شركة تشغيل المنجم ميبراج تقول إن الليجنايت الموجود تحت القرية مطلوب من أجل الحفاظ على تشغيل محطة توليد الكهرباء المحلية إلى ما بعد عام 2040. وتأمل في توسيع نطاق منجمها في وقت ما من العقد المقبل.
جنس هاوزنر، أحد سكان القرية المتبقين، يقول إنه مصمم على المقاومة. وهو يشير إلى أن فحم الليجنايت الأسمر هو أحد أقذر أنواع الوقود الموجود في المنطقة.
وقد أعلنت بلدان مثل فرنسا والمملكة المتحدة وكندا الشهر الماضي عن خطط للتخلص التدريجي من توليد الكهرباء باستخدام الفحم في زمن لا يتجاوز عام 2025. وهاوزنر واحد من كثيرين يعتقدون أنه ينبغي لألمانيا أن تحذو حذو غيرها وتنقذ القرية.
كما يقول: "لماذا ينبغي لنا الرحيل؟ نحن نعيش في عصر طاقة مختلف الآن"، مشيرا إلى التحول العالمي في مجال الطاقة بعيدا عن الفحم. "ليس هنالك أي سبب يدعو إلى تدمير القرى. وليس هنالك سبب وجيه يدعونا إلى مغادرة منازلنا".
قرية بودلفيتز، رغم حجمها الصغير، تسلط الضوء على واحدة من أصعب المشاكل التي تواجه السياسة في ألمانيا: كيف يمكن إيقاف استهلاك وقود رخيص ومتوافر محليا، لكنه من بين أكبر مصادر انبعاثات غازات الدفيئة.
القضية ملحة، لأن برلين تعهدت بخفض انبعاثات الكربون في البلاد بنسبة 40 في المائة، مقارنة بالمستويات التي بلغتها في عام 1990، بحلول عام 2020. بحسب الاتجاهات الحالية، سوف تفشل ألمانيا في تحقيق ذلك الهدف بما لا يقل عن 8 نقاط مئوية.
يقول المحللون إن الحل الوحيد السريع المتوافر هو إلغاء بعض محطات توليد الكهرباء البالغ عددها 148، والتي تعمل بواسطة الفحم والليجنايت. نظريا، احتمالية التخفيضات ضخمة: رغم التحول الشهير في ألمانيا نحو استخدام مصادر الطاقة المتجددة، إلا أن الفحم والليجنايت يستأثران بنحو 40 في المائة من إنتاجها للكهرباء.
يقول كارستين شميد، خبير طاقة في منظمة جرين بيس: "مصدر ثلث جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في ألمانيا هو الفحم. والأمر الغريب هو أن ألمانيا تمتلك فائضا في الطاقة الكهربائية. يمكننا بكل سهولة تخفيض القدرة التشغيلية، لأننا حاليا نصدر فائض القدرة لدينا - نحن نرسل الطاقة غير النظيفة لدينا إلى بقية أوروبا".
هذه الحجة تواجه مقاومة شرسة من قبل ائتلاف قوي من مصالح الصناعة والتعدين، والنقابات التجارية والسياسيين، فهم يقولون إن ألمانيا وافقت أصلا على إغلاق محطات الطاقة النووية لديها بحلول عام 2022، ولا يمكنها تحمل فقدان مصدر طاقة آخر رخيص الثمن، يمكن الاعتماد عليه.
كما تتعرض فرص العمل فيها أيضا للخطر: أكثر من 20 ألف عامل يجري توظيفهم مباشرة من قبل صناعة الليجنايت، يعيش معظمهم في مناطق ضعيفة اقتصاديا، في أقصى غربي ألمانيا أو في الشرق الشيوعي سابقا.
كما أن فحم الليجنايت الأسمر هو أيضا الوقود الوحيد الذي يستطيع أكبر اقتصاد في أوروبا إنتاجه محليا، ما يحافظ على تدفق الكهرباء بشكل مستقل عن سياسة الطاقة أو الضغوط الشرق أوسطية أو الروسية.
إن الاختفاء المدبر لقرية بودلفيتز في العقد المقبل، يؤكد على مدى عمق التزام ألمانيا باستخدام الليجنايت.
آرمين إيكهولز، الرئيس التنفيذي لشركة ميبراج، يشير إلى أن معظم القرويين أرادوا المغادرة، وهم الذين خاطبوا شركة التعدين بحثا عن حوافز من أجل الانتقال.
كما يأمل بأن يتم التوصل إلى "حل متفق عليه بصورة مشتركة" لإعادة توطين ما تبقى من السكان.
يبدو أن الجدل السياسي آخذ في التحول ضد الفحم. حزب الخضر وضع خفض الانبعاثات شرطا أساسيا في محادثات الائتلاف غير الموفقة التي جرت الشهر الماضي مع أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية. لقد انهارت المفاوضات قبل التوصل إلى إبرام اتفاق نهائي، على الرغم من أنه كان هنالك اتفاق واسع النطاق على أن فرض قيود جديدة على توليد الكهرباء من الفحم، أمر لا مفر منه.
يمكن أن تظهر النتيجة نفسها عندما تدخل ميركل في محادثات لتشكيل الحكومة مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي، في الأسابيع المقبلة.
بالعودة إلى بودلفيتز، يبدو هاوزنر واثقا بأن السياسة ستعمل في النهاية على إنقاذ القرية.
في الوقت الراهن، لا تزال الحافلة تتوقف في ساحة القرية المهجورة، ولا تزال القمامة تجمع وصندوق البريد يجري تفريغه مرة واحدة في اليوم.
يقول هاوزنر: "أقمنا وليمة الصيف وأقمنا حفل عيد الميلاد. لا تزال الحياة في القرية مستمرة، بل وستستمر".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES