Author

الصياغة التشريعية .. وجريمة التشهير

|

في مقالة بعنوان "المعايير القانونية في الصياغات التشريعية - التنظيمية 1" أشرت فيها إلى أهمية الصياغة التشريعية وأثرها في التطبيق العملي من حيث التفسير والتنفيذ، وأشرت إلى أن التنفيذ والتفسير القضائي يتأثران بشكل كبير بحسب الصياغة النظامية التي يودع فيها المنظم مقصوده ويهدف فيها إلى تحقيق الغاية التي يرغب فيها. ويتفرع عن هذا الحديث عمومية النص القانوني بلا قيود أو بقيود عامة ما يؤدي إلى عدم تحقق الهدف المرجو من ذلك النص القانوني على فرض وجود هدف واضح قابل للقياس والمراجعة.
ولعلي أستعرض مثالا لنص قانوني، وهو مثال جريمة التشهير التي تعتبر من ضمن الجرائم المعلوماتية. فقد نص نظام الجرائم المعلوماتية على أنه من ضمن الجرائم الموجبة للعقوبة جريمة "التشهير بالآخرين، وإلحاق الضرر بهم، عبر وسائل تقنية المعلومات المختلفة".
من خلال هذا النص العام الذي لا يتجاوز مجموعة من الكلمات، يتم الحكم بعقوبات شديدة وصارمة ما يتطلب وضوحا وتفصيلا حتى يكون الخاضعون لهذا النص على علم بين بتلك الجريمة. إن وجود نص بهذا العموم أعتقد أنه يسبب إشكالا في طريقة حديث الناس فيما بينهم وفي اختلاط الرأي العلمي مع غيره، فالتشهير كلمة عامة قد تدخل فيها أنواع لا تنتهي مما يمكن إقحامه أو تضمينه في معنى التشهير.
لو استعرضنا مجموعة من الدول في تعريفها للتشهير أو في شروط التشهير لوجدنا أن عددا من الدول يشترط لتحقق جريمة التشهير مثلا: 1) أن يكون البيان أو الخبر عن شخص معين على أساس أنه حقيقة بينما الواقع غير صحيح. 2) أن يكون الإخبار به لطرف ثالث. 3) أن يكون الخبر المنشور فيه إهمال. 4) وجود ضرر.
وقد تختلف بعض تلك الشروط من دولة إلى أخرى من حيث التفصيل وغيره.
بناء على الشروط التي تم ذكرها لدى دول أخرى نجد أنه لو أن المعلومة كانت صحيحة فإن ركنا من أركان الجريمة ربما يختل وذلك قد يعني عدم تحقق الجريمة. ليس هذا فحسب بل إن الجريمة قد لا تتحقق في حال كان الشيء المخبر به أو البيان في حقيقته رأيا وليس معلومة. فمثلا لو قال أو ذكر شخص رأيه عن شخص ما فلا يعد الرأي جريمة، أو مثلا لو عبر شخص في رأيه عن تجربته مع محل أو ذكر حقيقة معينة عن منتج معين.
إن ما سبق استعراضه لا يعني بالضرورة نسخه أو تبنيه بالكامل، لكن أعتقد أنه من المهم أن يكون هناك تفصيل ونصوص أكثر وضوحا تبين أو توحي مقصد المنظم فيما يريد حمايته من التشهير والإضرار.
إن التوسع في تفسير معنى التشهير وبالذات في ظل عدم وجود نصوص تفصيلية في معنى التشهير أو شروطه أرى أنه قد يسبب أضرارا وقد تغص الدوائر في النيابة العامة بالشكاوى والمحاكم بحجم كبير من الدعاوى، إضافة إلى كون مثل النصوص العامة قد يساء استعمالها على أكثر من صعيد.

إنشرها