ثقافة وفنون

«كوكو» .. الفرصة غنيمة وكذلك هي العائلة

«كوكو» .. الفرصة غنيمة وكذلك هي العائلة

«كوكو» .. الفرصة غنيمة وكذلك هي العائلة

"اغتنم فرصتك" عبارة تحمل كثيرا من العزيمة والقوة من أجل الوصول إلى الهدف المرجو، ولقد رُددت أكثر من مرة في فيلم الأنيميشن "كوكو" إلى أن ترسخت في ذهن المشاهد وأصبحت أمثولة يحتذى بها. ولم تأتِ هذه العبارة كعابر سبيل في سيناريو الفيلم بل كانت نتيجة تجربة طفل لديه موهبة الموسيقى لكن الظروف وضعته في اختبار لمعرفة تصميمه وإصراره على متابعة هوايته وإتقانها.
بدأت قصة فيلم "كوكو - COCO" عندما قرر الفتى ميجيل - يؤدي صوته الممثل أنطوني جونزاليز - ذو الـ 12 عاما أن يشارك في مسابقة غنائية في عيد الموتى، لكن عائلته تكره الموسيقى بعدما قام جد جدته بهجرها، وهرع خلف المجد الموسيقي، لتقرر الأم التفرغ لتربية ابنتها والعمل في صناعة الأحذية، تلك المهنة التي جعلتها تؤسس عائلة كبيرة امتدت لعدة أجيال حتى وصلت إلى ميجيل.

عشقه الموسيقى
الأزمة أنّ ميجيل يعشق الموسيقى ويريد أن يشارك في المسابقة لكن ينقصه فقط جيتار ليعزف عليه، فيعثر على صورة لأم جدته إيميلدا ويقف بجانبها رجل صورة وجهه مبتورة، لكنه يحمل جيتار أهم مغن مكسيكي يدعى أرنستو ديلا كروز - يؤدي صوته الممثل بنجامين برات - فيستنتج ميجيل أن أرنستو هو جده الأكبر، ويقرر الغناء يوم الاحتفال بيوم الأموات "تقليد مكسيكي قديم شبيه بالهالوين"، لكن جدته تكسر جيتاره فيقرر سرقه جيتار أرنستو من داخل قبره، وعندما ينفذ مخططه ويمسك به ويعزف عليه يختفي ولا يراه أحد من الموجودين فى الاحتفال سوى كلبه، فيقرر المضي مع الأموات السائرين ويعبر جسر الأموات ليذهل من مدى روعة هذه المدينة وجمالها.

أقرب إلى الحقيقة
لم يعتمد الفيلم فقط على السيناريو المحبوك بطريقة رائعة، الذي كتبه أدريان مولينا عن قصة حقيقية للكاتب ومخرج الفيلم لي أونكريتش، وتم تقديمه بطريقة يستطيع الصغار الاندماج فيها وكذلك الكبار استخلاص كثير من العبارات مما يقال، إنما أبدع المخرج لي أونكريتش في إظهار دراما إنسانية تحاكي خيال المشاهد عبر شخصيات أنيميشن، ولوصوله إلى هذا المستوى الراقي في تقديم العمل قام لي مع فريقه بالسفر إلى المكسيك خمس مرات للحصول على الإلهام الذي ساعده على رسم الشخصيات والخط الدرامي الذي سينتهجه الفيلم، لذلك ظهرت الهياكل العظمية بصورة مبهجة مع ألوان المهرجانات، وأضفت عليها الموسيقى رونقا جذب المشاهد وأدخله في عالم من الخيال الماتع.

عالم الأموات
يتمايل ميجيل بين الأموات بخفة متناهية جعلت من هذه المشاهد لوحة فنية فائقة الجمال خاصة عندما أطل على مدينة الأموات وعبر الجسر الذي تكسوه أوراق الشجر البرتقالية، فيشعر المشاهد في هذه اللحظة بجمالية عالم الأموات، ويستمر ميجيل في البحث عن أرنستو فيجد أفراد عائلته الذين أصروا عليه عدم سلوك طريق الفن والعودة إلى دياره لأن العائلة أهم، وهنا بدأ المخرج في التركيز على قضية العائلة وأهمية تكاتفها، ويردد بين عباراته "العائلة أولا"، لكن ميجيل فتى عنيد ولم يقتنع بالابتعاد عن الموسيقى التي تجري في عروقه، ففي كل لحظة انهزام يتذكر كلام مثله الأعلى في الفن ديلا كروز الذي يقول دائما "اعتنم فرصتك"، فيعود وينطلق من جديد نافضا عنه غبار العادات والتقاليد العائلية، واستمر في البحث عن أرنستو ديلا كروز ظنا منه أنه سيقف إلى جانبه ويعطيه بركة العائلة ليعود موسيقياً إلى الحياة البشرية، وفي كل مرة كان يقترب من الوصول إليه يتعثر ويعود إلى البحث مرة أخرى.

إخراج مميز
وبعد رؤية المشاهد المميزة في عالم الأموات يكتشف المشاهد أنه أمام فيلم رائع من الناحية الإخراجية، فالطريقة التي يلقي بها لون الشموع البرتقالي في المقبرة ظلالاً على وجوه الناس الذين يزورون أحباءهم مذهلة للغاية. ولقد تم تجسيد كل لقطة، انطلاقاً من بلدة ميجل، وصولاً إلى أرض الأموات، بشكل واقعي للغاية. والطريقة التي تستطيع بها أن ترى كل التجاعيد التي ترسم وجه ماما كوكو، جدة ميجل، تبرز مستوى العمق الذي تمكن الرسامون من إيجاده هنا لحد يثير القشعريرة في بعض الأحيان.

بعد الموت
تعرف ميجيل أثناء رحلته بين الأموات على رجل يدعى هيكتور، يؤدي صوته الممثل جايل جارسيا برنال، يتميز بطرافته ويقرر مساعدة ميجيل حيث يجب عليه ألا يمضى أكثر من ليلة داخل عالم الأموات وإلا أصبح منهم ويجب عليه أن يزيل اللعنة التى حلت عليه من الجيتار وإيجاد أسلافه ليزيلوا اللعنة، ويتمكن من العودة مجددا إلى عالم الأحياء. يطلب منه هيكتور أن يأخذ صورته معه إلى عالم الأحياء ليتمكن من رؤية ابنته للمرة الأخيرة قبل أن تنساه ويختفى هو بدوره، إن هذه الفكرة رغم فلسفتها وتعقيدها إلا أن المخرج استطاع إيصالها بسلاسة إلى المشاهد، فمن يموت من الأحياء يعيش في عالم الأموات طالما هناك أحد من أفراد عائلته في عالم الأحياء يتذكره، وما أن ينسوه يختفي ويتطاير جسده الميت في الهواء.

نهاية مبكية
يهرب ميجيل من هيكتور ويتسلل منفردا إلى قصر أرنستو ليصارحه بحقيقه أنه حفيده، لكنه يكتشف أن هيكتور وأرنستو كانا صديقين قبل أن تتوتر العلاقه بينهما، ويعرف حقيقة جارحة هي أن أرنستو ليس جده، وهو من قام بقتل جده من أجل المجد والشهرة، وبدأ عنصر الأكشن في التوارد خلال هذه اللحظات، فالسر المخفي طيلة الفيلم انكشف والشر بدأ يكسر طموح ميجيل، ولقد جاءت اللحظات الأخيرة في الفيلم مفعمة بالمشاعر والأحاسيس حيث إن الأداء الصوتي للمثلين كان مذهلا ومليئا بالتفاعل مع القصه ونجح فى نقل قصه ذات جذور متعلقة بالثقافة المكسيكية والإسبانية قبلها، ونجح أيضا فى التأثير في مشاعر المشاهدين حتى انهمرت دموعي تأثرا بحديث ميجل عن عائلته وشوقه لهم.

موسيقاه رائعة
لقد اتخذ المخرج قراراً إبداعياً ناجحاً ومثيراً للاهتمام في إدراج اللغة الإسبانية السائدة من دون إضافة أي ترجمات. وقد استخدم هذا الأسلوب بالطريقة الصحيحة من دون أن تجعل المشاهد يضيع في المشهد، وذلك عبر توفير ما يكفي من الإشارات خلال السياق التي تساعد الجمهور على فهم ما يحدث حتى لو كان لا يفهم ما الذي يقال بالضبط. إنها إحدى الطرق الفعالة العديدة التي يستخدمها المخرجون للاحتفاء بالجذور المكسيكية للفيلم.
أما من ناحية الموسيقى والأغاني فجاءت مكملة لروعة الفيلم، وأسهمت في جعله واحدًا من أيقونات الأفلام الغنائية بالرسوم المتحركة، فجاءت الأغاني ذات مذاق مكسيكي محترف، مبهجة راقصة أحيانًا، حزينة ممتلئة بالشجن والذكريات أحيانًا أخرى.
في النهاية يعتبر فيلم كوكو من أضخم أعمال ديزني وبيكسار من كافة النواحي، وحصد إيرادات بلغت 453 مليون دولار أمريكي بعد أربعة أسابيع من عرضه في أكثر من 3.987 دار عرض سينمائي حول العالم، وهو مرشح بقوة للفوز بجائزة الأوسكار بعدما حصل على أعلى التقييمات منذ الآن، منها 96 في المائة على موقع Rotten Tomatoes و8.9 على IMDb ليجمع كل من النقاد والمشاهدين على أنّه أفضل فيلم رسوم متحركة لعام 2017، بل من أفضل أفلام الأنيمشن في تاريخها كله.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون