Author

هل سينجح غاندي في إعادة الوهج لحزب المؤتمر؟

|

السؤال، عنوان المقال، هو سؤال الهند الكبير هذه الأيام، بل منذ لحظة انتخاب الشاب راهول غاندي (47 عاما) أخيرا على رأس حزب البلاد التاريخي الأشهر الذي أسس قبل 132 سنة، وكان وراء استقلال الهند، وتأسيس ديمقراطيتها الصامدة، الذي حظي بقيادتها على مدى عقود متواصلة دون منافس حقيقي عدا سنوات قصيرة.
وسبب هذا السؤال الكبير أن حزب المؤتمر تراجعت شعبيته كثيرا في السنوات الماضية بدليل عدم تمكنه من حصد مقاعد برلمانية كثيرة في آخر انتخابات عامة على المستوى القومي في سنة 2014. ففي تلك الانتخابات لم يحصل إلا على 44 مقعدا من مقاعد مجلس النواب (لوك سابها) البالغ تعدادها 545 مقعدا، فكانت تلك الواقعة بمثابة هزيمة نكراء له لم يتجرعها من قبل. ولعل ما أسهم في زيادة جرعة الألم والهزيمة أن غريمه المختلف عنه في كل شيء وهو حزب "بهاراتيا جاناتا" القومي اكتسح الانتخابات بصورة غير متوقعة ونال حصة الأسد من المقاعد (206 مقاعد) ليحكم الهند وينفذ أجنداته السياسية دون متاعب.
وقتها عزا مراقبون كثر الأسباب إلى جملة من العوامل: منها تفشي الفساد في أروقة حزب البلاد التاريخي بعد رحيل قادته الكبار الأفذاذ منذ اغتيال سيدة الهند الحديدية أنديرا غاندي على يد حارسها السيخي في أكتوبر 1984، ومنها أيلولة قيادة الحزب إلى الهندية الكاثوليكية من أصل إيطالي سونيا غاندي، ومنها عدم إكتراث الحزب كثيرا بالأمور الاقتصادية والمعيشية للسواد الأعظم من الهنود، ناهيك عن عامل مهم آخر هو نجاح حزب المعارضة الرئيس في تحقيق نجاحات اقتصادية مذهلة في ولاية جوجرات التي حكمها على مدى عقدين متواصلين من خلال رمزه ناريندرا مودي رئيس الحكومة الهندية الحالية الذي لم يتردد في استخدام ذلك الإنجاز في القفز إلى السلطة من خلال انتخابات عامة حرة ونزيهة.
يمكن القول إن الطريق غير معبد أمام راهول لإعادة الوهج الغائب لحزبه واستعادة السلطة من بهاراتيا جاناتا في الانتخابات العامة القادمة ليس لأن الرجل شاب تنقصه الخبرة السياسية التي كانت تتمتع بها جدته أنديرا ومن قبلها جده الأكبر جواهر لال نهرو فقط، وليس لأنه قليل التعليم فحسب (فقد درس في جامعات هندية وأمريكية وبريطانية عريقة وتخرج منها حاملا ليسانس الآداب وماجستيرالفلسفة)، وإنما أيضا بسبب وجود شخصية سياسية ماكرة وذات شعبية طاغية وعالمة بخبايا السياسة الهندية ودهاليزها مثل مودي على رأس الحزب المنافس، خصوصا أن الأخير تمكن خلال السنوات القليلة الماضية من إحداث ثورة في سياسات الهند الداخلية والخارجية، وحافظ على موقعها كقوة إقليمية ودولية صاعدة.
إلى ذلك لا يخفى على المراقب لأحوال الهند أن حزب المؤتمر لم يعد ذلك الحزب المتماسك كما كان في معظم سنوات ما بعد الاستقلال. فالانقسامات تعصف به، وهناك من رموزه من قبل بزعامة راهول على مضض لأنه كان يفضل شخصية قيادية أخرى من داخل أروقته أو على الأقل شقيقة راهول الكبرى بريانكا فادرا، التي تملك خبرة أكبر من أخيها في كيفية تحريك الجماهير ودغدغة عواطفها وإثارة مشاعرها خصوصا أنها تذكرهم بجدتها الراحلة أنديرا في بدايات مشوارها السياسي. أما راهول فهو لئن كان صاحب شخصية طيبة وقريبة إلى القلب بحسب وصف صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، إلا إنه من جانب آخر شخصية صامتة وخجولة، وهذه صفات لا تصلح لمن يريد خوض المعارك والجولات الانتخابية الجماهيرية في بلد كبير كالهند تتصادم فيه الجهويات والأعراق والثقافات العديدة المتباينة.
وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن راهول حاول أخيرا تفادي هذا الخلل في شخصيته بكثرة الظهور في المحافل الإعلامية والسياسية وتعمد بناء العلاقات الشخصية والسياسية مع رموز المجتمع السياسي الهندي، خلافا لما درج على قوله طويلا من أنه يكره السياسة والأضواء ويفضل عليهما الحياة الهادئة ورياضة الكريكت ذات الجماهيرية الطاغية في شبه القارة الهندية، وهذا ما أكده ذات مرة الاقتصادي والفيلسوف الهندي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لسنة 1998 أمارتيا سن. غير أنه على الرغم من هذا الانقلاب في حياته، الذي يذكرنا بما حدث لوالده راجيف غاندي بُعيد اغتيال والدته أنديرا، فإن أمام راهول اليوم تحديين عليه مواجهتهما باقتدار إنْ أراد أن يحقق شيئا لحزبه في الانتخابات العامة القادمة المقرر إجراؤها عام 2019. التحدي الأول هو إثبات قدراته السياسية الشخصية من خلال تطوير ثقته بنفسه والتدرب أكثر فأكثر على الظهور كخطيب مفوه قادر على استمالة الناخبين، ومتمكن في الوقت نفسه من تسديد لكمات موجعة ضد منافسيه. والتحدي الثاني هو إعادة بناء حزب المؤتمر وهياكله المتصدعة ورص صفوف رموزه، مع بناء تحالفات أو تفاهمات مع الأحزاب السياسية الأخرى المتضررة من أجندات حزب بهاراتيا جاناتا القومية.
لكن من يدري. فقد تنقلب كل التوقعات رأسا على عقب ويحقق راهول المستحيل. نقول هذا لأن بلدان جنوب وجنوب شرق آسيا عودتنا دوما على المفاجآت لجهة اختيار حكامها، حيث تغلب العاطفة على التوجهات الاقتراعية للجماهير، خصوصا إذا ما كان المرشح شخصا مثل راهول الذي يعج مشواره بالآلام ابتداء من اغتيال جدته وانتهاء باغتيال والده على يد متطرفة تاميلية في ديسمبر 1989، ومرورا باللغط الذي دار حول أصل والدته.

إنشرها