FINANCIAL TIMES

حكومة أثرياء تسطع في سماء المجر بإشراف أوربان

حكومة أثرياء تسطع في سماء المجر بإشراف أوربان

عبر الطريق المؤدية إلى بيت المزرعة المتواضع لفيكتور أوربان في قرية الطفولة في فيلكسوت، يوجد معبد يجسد شغف رئيس الوزراء المجري بكرة القدم.
مع سقف مصنوع من الألواح ودعامات خشبية تستحضر أمثلة على الفولكلور المجري، ساحة بانشو- هي الاسم المأخوذ من اللقب الذي كان يُطلَق على فيرينك بوشكاش - الذي يعتبر على نطاق واسع بأنه أعظم لاعب كرة مجري - تتسع لـ 3800 مقعد. عدد سكان قرية فيلكسوت، التي تبعد نحو 45 كيلومترا غربي بودابست، يزيد قليلا على 160 نسمة.
في نهاية الطريق يوجد ممر ضيق لسكة حديدية يسير عبرها، بواقع ثلاث مرات يوميا، قطار سياحي أحمر اللون وصغير الحجم ليقطع مسافة ستة كيلومترات ليصل إلى قرية أخرى أصغر حجما، ألكسوتدوبوز، حيث عاش أوربان حتى بلغ العاشرة من عمره.
هذ اقطار، تم التخلي عنه في السبعينيات، ثم أعيد تشغيله في العام الماضي، من خلال تمويل قدمه الاتحاد الأوروبي بقيمة مليوني يورو، وهو يكاد يكون فارغا إلى حد كبير، في معظم الأيام.
تم التشهير علنا بالسكة الحديدية والملعب من قبل منتقدي رئيس الوزراء على أنهما مشروعان يدلان على الغرور الباطل. هنالك أمر آخر مشترك بينهما: كلاهما بُني، جزئيا، من قبل أوربان لورينك مسزاروس عمدة قرية فيلكسوت، وصديق طفولة .
حتى سنوات قليلة مضت، كان مسزاروس يعمل في صيانة معدات الغاز الطبيعي. بفضل فوزه بعقود من الدولة، قفز ليحتل المرتبة الخامسة في قائمة هذا العام لأغنى المجريين، والتي جمعها الموقع الإلكتروني (Napi.hu).
خلال سنة، ارتفعت ثروته بقوة من 23 مليار فورينت مجري (73 مليون يورو) إلى 120 مليار فورينت.
ردا على سؤال من أحد الصحافيين حول الطريقة التي استطاع بها تطوير أعماله بشكل أسرع من شركة فيسبوك التي يمتلكها مارك زوكربيرج، أجاب مسزاروس مازحا: "ربما أنا أكثر ذكاء منه".
ماسزاروس ليس إلا واحدا من عدة رجال أعمال تربطهم علاقات وثيقة مع أوربان وحزبه الحاكم فيديس (تحالف الديمقراطيين الشباب) الذين زادت ثروتهم بقوة منذ توليه للسلطة في العام 2010.
وقد ركزت عمليات التدقيق الخارجية إلى حد كبير على كيفية قيام الحكومة في المجر بتفكيك ضوابط الرقابة على الديموقراطية، وإيجاد ما يسميه أوربان "الديمقراطية غير الليبرالية" واعتماد أيديولوجية وطنية متشددة مناهضة للمهاجرين. مع ذلك، وفي الوقت الذي رسخ فيه حزب فيديس سيطرته، ظهرت مجموعة من رجال الأعمال الأثرياء حول الحزب ورئيس الوزراء – وهي في جوهرها، مجموعة من "أغنياء القلة" الموالية.
يقول دعاة الحملات المناهضة للفساد والمصرفيون وسياسيو المعارضة إن المجر تحولت لتصبح شكلا من أشكال "رأسمالية المحاسيب"، لتشبه إلى حد كبير النماذج الموجودة في المناطق الشرقية الأبعد، في جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا، حيث يرتبط نجاح الأعمال مع القوة السياسية.
على أن ثروة أساطين الثروة في المجر الذين تحبذهم الحكومة تقدر بمئات الملايين، وليس بمليارات الدولارات التي تمتلكها طبقة حكام القلة الموجودة في روسيا مثلا.
يقول النقاد إن هيكلها الاقتصادي أصبح نسخة مصغرة من روسيا بقيادة فلاديمير بوتين.
الاختلاف هو أن المجر قامت ببناء هذا النظام داخل الاتحاد الأوروبي - جزئيا، باستخدام التمويلات المقدمة من الاتحاد الأوروبي. وقد حققت الكثير من النخب التجارية الجديدة المرتبطة بحزب فيديس نجاحها بشكل أساسي من خلال عقود الدولة، التي يتم تمويل 60 في المائة منها تقريبا من قبل الاتحاد الأوروبي.
يقول يوسف بيتر مارتن، المدير التنفيذي لمؤسسة الشفافية الدولية، المجموعة المناهضة للفساد في بودابست: "منذ عام 2010، إلى جانب التشويه الحاصل للنظام المؤسسي بأكمله، استطاع حزب فيديس وحكام القلة الأغنياء المقربون من الحزب، السيطرة على الدولة، من الناحية العملية. الأمر الأكثر إثارة للقلق بشأن تطور المجر اليوم هو المحسوبية".
حتى سنوات قليلة مضت، كان معظم المجريين على علم بوجود شخص واحد فقط ضمن أغنياء القلة الموالين لحزب فيديس، وهو لايوس سيميكسكا الذي يبتعد عن الظهور في وسائل الإعلام.
أنهى سيميكسكا دراسته وأدى الخدمة العسكرية والدراسة الجامعية مع أوربان، ومن ثم ساعده على بناء حزب فيديس، ليتحول من حركة شبابية مؤيدة للديمقراطية في الثمانينيات، إلى الحزب الذي يحكم المجر اليوم.
منذ مطلع التسعينيات، استخدم سيميكسكا أموال الحزب لإقامة مشاريع أعمال لتمويل الحزب.
لقد أسس إمبراطورية إعلامية موالية للحزب، تحولت إلى حد كبير بفضل العقود التي قدمتها الدولة، إلى شركة إنشاءات مترامية الأطراف. بعد أن اختلف الرجلان في عام 2015 - جزئيا بسبب محاولات أوربان الحد من قوة حليفه – أُخرِج سيميكسكا من بعض الأصول الإعلامية، وتوقف عن الفوز بالعقود المقدمة من الدولة. أوهكذا بات هنالك مجال لفرص أمام رجال أعمال جدد مخلصين.
يقول أندراس بيثو، محرر الموقع الإلكتروني المختص بالتحقيقات (دايركت 36): "من الواضح أن أوربان لا يرغب في وجود سيميكسكا آخر، أو أي رجل يضاهيه في القوة. لذلك ما نراه الآن هو عديد من سيميكسكا، ولكن في صورة مصغرة".
ليسوا صغارا فعلا. في الوقت الذي تظل فيه الطبقات العليا من قائمة أغنياء مجر يهيمن عليها رجال الأعمال ممن ظهروا في فترة التسعينيات، كان هنالك عدد من الشخصيات اللافتة للنظر التي برزت باستثناء ميسزاروس.
آندي فينا احتل المرتبة الرابعة عشر في قائمة نابي لهذا العام بثروة تقدر قيمتها 192 مليون يورو، وهو أمريكي-مجري حقق بعض ثروته كمنتج أفلام في هوليوود بما في ذلك رامبو وتوتال ريكول.
أقام أوربان معه حين كان عضوا شابا في البرلمان عن حزب فيديس، خلال قيامه برحلة إلى الولايات المتحدة في التسعينيات. وتم تعيين فاينا في منصب مفوض الأفلام في المجر من قبل أوربان في عام 2011، وبعد عودته إلى المجر، حل مكان سيميكسكا كبارون إعلامي رائد مؤيد لحزب فيديس.
في المرتبة الثالثة والعشرين جاء إستفان جارانكسي، صديق آخر لأوربان ومالك لثاني نادي كرة قدم مفضل لديه، فيديوتون، بثروة تقدر قيمتها بحدود 80 مليون يورو - ثلاثة أضعاف قيمة ثروته عندما تولى رئيس الوزراء مهامه في عام 2010.
على الرغم من تراجع مكانة سيميكسكا، إلا أنه الغني الذي يحتل المرتبة الحادية عشرة في المجر، بثروة تقدر قيمتها بحدود 256 مليون يورو. قائمة الثروة الصادرة في مجلة فوربس المجرية الشهر الماضي، جاءت بتقديرات مختلفة هامشيا، وضعت الرجال الأربعة جميعا ضمن قائمة أغنى 21 شخصا في المجر.
الأغلبية البرلمانية الكبيرة التي يحظى بها حزب فيديس وهيمنته على المؤسسات الوطنية والكثير من المؤسسات الإقليمية، تمنحه سبلا عديدة لمساعدة رجال الأعمال المفضلين. يمكن توجيه كل شيء بدء من صناعة الإعلان المربحة في الدولة إلى تراخيص الأعمال باتجاه أصحاب المشاريع "الودودين".
توصلت دراسة أجراها اثنان من الباحثين المجريين هذا العام إلى أن الشركات التي تمتلكها الدولة تشكل ما نسبته 26 في المائة من سوق الإعلانات المطبوعة، و15 في المائة من الإعلانات على الإنترنت، و7 في المائة من إيرادات الإعلانات التلفزيونية.
في عام 2013، تم منح فاينا خمسة تراخيص من أصل سبعة صادرة عن الحكومة لافتتاح كازينوهات. كما استفاد فاينا أيضا من الدعم الذي تقدمه مصارف التنمية التي تسيطر عليها الدولة.
وحصل قطب الإعلام على قروض تصل في مجملها إلى 26 مليون يورو في عامي 2015 و2016، جزئيا من إكسيم بانك في المجري - الذي من المفترض أن يمول شركات التصدير - للمساعدة في الاستحواذ على وتطوير "تي في 2" ثاني أكبر قناة تلفزيونية في المجر.
وقالت الحكومة إنها غيرت أحد القوانين في عام 2013 للسماح لمصارف الدولة بتمويل الشركات المحلية، بهدف تحسين التنافسية على الصعيد الدولي.
غير أن ازدهار أساطين المال المؤيدين لحزب فيديس كان سببه الرئيسي هو العقود العامة، التي غالبا ما تحصل على تمويل جزئي من الاتحاد الأوروبي - الذي تشكل المجر فيها، نسبة إلى ناتجها الأهلي الإجمالي، ثاني أكبر متلق لها.
قام مركز بحوث الفساد في بودابست، وهو منظمة غير حكومية، بتحليل جميع عقود التوريد العامة من عام 2010 حتى عام 2016. وقد توصل إلى أن أربعة من رجال الأعمال المرتبطين بحزب فيديس- سيميكسكا ومسزاروس وجارانكسي وإستفان تيبوركس، زوج ابنة رئيس الوزراء - فازوا جميعا بما نسبته 5 في المائة من العقود بحسب القيمة، بإجمالي يصل إلى 1.88 مليار يورو.
في عام 2013، فاز الأربعة بـ 12 في المائة من جميع العقود، وفازت شركات سيمكسكا وحدها بما نسبته 11 في المائة من العقود.
وقد بلغ متوسط العقود التي فاز بها الرجال الأربعة 13 مرة ضعف حجم العقود الأخرى. كما كان يغلب على الأربعة أيضا مواجهة عدد أقل من العطاءات المتنافسة مما يواجهه مقدمو العروض الأخرى - ما يوحي بأن المنافسين يبتعدون عن التقدم للعطاءات، لأنهم يفترضون أن رجال الأعمال المرتبطين بحزب فيديس، هم الذين سوف ترسو عليهم العطاءات.
في الوقت نفسه، استنادا إلى تحليلات العقود منذ عام 2007، قدرت مؤسسة الشفافية الدولية وجود مغالاة في أسعار العقود العامة المجرية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، في المتوسط، بنسبة 25 في المائة مقارنة بأسعار السوق.
يقول إستفان يانوس توث، مدير المركز: "أوربان رجل ذكي، فهو يستخدم الأموال الأوروبية لبناء هذا النظام القائم على المحسوبية".
زولتان كوفاكس، المتحدث الرسمي باسم حكومة المجر، إن الحكومة لديها "قانون، يقع ضمن حدود قانون الاتحاد الأوروبي، لمساعدة الشركات المجرية في تحقيق النجاح".
إن جميع العقود تمنح استنادا إلى الجدارة و"من غير الصحيح أبدا أن هنالك عددا غير عادل من العطاءات قد منحت إلى" رجال أعمال مقربين من حزب فيديس، حسبما أضاف.
لم يستجب رجال الأعمال الأربعة المشمولين في الدراسة وفاينا على أسئلة مرسلة من قبل صحيفة فايننشال تايمز. وقد تقدم مسزاروس، في مقابلة أجريت معه في عام 2014، بالشكر "لله، والحظ وفيكتور أوربان" على الإنجازات التي حققها.
وأضاف قائلا: "لم أعمل أبدا على خصخصة أي شيء، ولم أختلس قط، وقد حصلت على كل شيء من خلال الجهود التي بذلتها وبذكائي".
في مقابلة أجريت الشهر الماضي، رفض مسزاروس سؤالا حول ما إذا كان يقوم بدور (سترومان)، وهي كلمة مجرية مشابهة لرجل القش وتعني "الواجهة"، لأوربان.
وقال: "أعتقد أن ما أقوم به بات واضحا جدا، والطريقة التي تعمل من خلالها شركتنا لا تحتاج لتفسير، وأعتقد أن إسهاماتي كبيرة جدا. كيف يمكن أن أكون واجهة لأوربان؟ يا له من أمر سخيف."
ردا على سؤال حول القضية نفسها في مؤتمر برلماني أجري العام الماضي من قبل جابور فونا، زعيم حزب جوبيك اليميني المتطرف، قال أوربان: "لم يكن لدي قط واجهة، وليس لدي الآن واجهة، ولن يكون هنالك شخص يعمل واجهة لي في المستقبل".
مع ذلك، ورغم الخلفية المتواضعة في فيلكسوت، حيث عمل والده عاملا ومهندسا زراعيا، حققت عائلة أوربان بعض النجاح في الأعمال. اندلعت فضيحة خلال فترة ولاية أوربان الأولى كرئيس للوزراء في عام 1999، عندما تبين أن شركة مرتبطة بحزب فيديس وسيمكسكا كانت قد ساعدت والده، جيوزو، وزملاءه على اكتساب السيطرة على منجم تمت خصخصته.
في السنوات الأخيرة، ذكرت تقارير بأن الشركات التي تعود مليكتها إلى أوربان الأب واثنين من أشقاء رئيس الوزراء تزود مواد البناء لمشاريع إنشاءات تابعة للدولة.
ردا على سؤال حول التقرير المنشور عبر الموقع (دايركت 36)، ألمح أوربان إلى أن والده ليس متعاقدا بل مزود بشكل غير مباشر، وبالتالي لا يوجد تضارب في المصالح.
تيبوركس، الذي تزوج راحيل، ابنة أوربان، في عام 2013، هو أيضا رجل أعمال واعد. لقد فازت شركة كان يمتلكها آنذاك بعقود ممولة جزئيا من الاتحاد الأوروبي بإجمالي يصل إلى 65 مليون يورو في عامي 2014 و2015 لتثبيت إضاءة الشوارع بمصابيح LED في البلدات التي يشرف عليها حزب فيديس في جميع أنحاء المجر.
أولاف، مكتب مكافحة الفساد التابع للاتحاد الأوروبي، أكد لصحيفة فايننشال تايمز بأنه يجري تحقيقات في تلك العقود. وقد قدرت مجلة فوربس المجر في عام 2015 ثروة العائلة، باستثناء تيبوركس، التي وصلت إلى 22 مليون يورو.
ربما من المثير للدهشة أن بروز رجال الأعمال المرتبطين بحزب فيديس يأتي بشكل أساسي على مرأى من الجميع – بل وحتى من خلال الموافقة الرسمية.
أندراس لانكزي، رئيس جامعة كورفينوس في بودابست، يعتبر منظرا غير رسمي لحزب فيديس، قال لصحيفة فاينانشيال تايمز إنه: "من المؤكد أن هؤلاء هم الأغنياء حكام القلة في المجر".
وأضاف قائلا: "هذه سياسة متبعة علنا، فهي ما تريده الحكومة. على الرغم من أن أوربان لم يقل ذلك قط، إلا أنه ربما يشجع أو يسمح بأن يصبح بعض أصحاب المشاريع المجريين أغنياء حقا، لتشكيل الفئة العليا من الطبقة المتوسطة المجرية".
يتحدث قادة حزب فيديس عن الحاجة إلى إنشاء طبقة برجوازية وطنية، أو ما يصفه لانكزي بعبارة "اللفيف الوطني لأصحاب المشاريع".
ويقول إن ما يفعله الحزب الحاكم لتعزيز رؤيته لا يزيد فسادا على إجراءات التأميم في العصر الشيوعي، أو عمليات الخصخصة في فترة ما بعد الشيوعية في التسعينيات.
يرد مصرفي مجري كبير، طلب عدم ذكر اسمه، بأن أصحاب المشاريع الوطنيين لا يعملون على إنشاء شركات ابتكارية. وقال: "الطبقة الحاكمة الرأسمالية الجديدة تكسب المال من الحكومة، والتنافس على هذه العقود بعيد تماما عن كونه عادلا أو علنيا أو شفافا".
بيتر مارتن، المدير التنفيذي لمؤسسة الشفافية الدولية، يقول إنه في حين أن المحسوبية والفساد كانا من المشاكل الكبيرة خلال السنوات الثماني للحكومة الاشتراكية قبل عام 2010، إلا أن كثيرا من المجريين يفشلون في إدراك الطابع المركزي الكبير الذي آل إليه الفساد.
ويقول: "الفساد قبل عام 2010 كان شكلا من أشكال الاختلال الوظيفي في النظام. الآن أصبح جزءا من النظام".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES