FINANCIAL TIMES

عودة الابتكار إلى القارة العجوز .. فرصة لا تعوض

عودة الابتكار إلى القارة العجوز .. فرصة لا تعوض

السنوات التي أعقبت الأزمة المالية، كانت بائسة ليس بالنسبة للنمو في أوروبا فحسب، بل أيضا بالنسبة للابتكار والدينامية - التي تم تجاوزها على كل الأصعدة في كل من آسيا والولايات المتحدة.
الآن، مع انتعاش النمو في منطقة اليورو، يتسنى للقارة الحصول على فرصة ثانية.
بينما تخف حدة صدمة التصويت لمصلحة البريكسيت في المملكة المتحدة وهشاشة النظام المصرفي، تتاح أمام أوروبا فرصة للابتكار.
بعد أن تفوق عليها الآخرون في ثورة الإنترنت، مع هروب بعض من ألمع مواهبها إلى وادي السيليكون، للإفلات من تباطؤ النمو والقيود المفروضة على روح المشاريع، هنالك طموح متجدد في بلدان مثل فرنسا وألمانيا.
لا تزال القارة تعاني بعض نقاط الضعف - حيث إن معدل استثمار القطاع الخاص في مجال الأبحاث والتطوير، ما زال منخفضا جدا ويبالغ في التركيز على الصناعات التقليدية. ولا تزال مترددة إزاء تشويش النمط الأمريكي.
كما ستكشف صحيفة "فاينانشيال تايمز" في سلسلة من المقالات المقبلة، عن أن صناع السياسة والمواطنين وأصحاب المشاريع يبدو أنهم يشعرون بالتفاؤل.
أوضح دلالة على ذلك هي ما يسود بين الناس – أصحاب المشاريع ومطوري البرمجيات والأفراد من ذوي الشهادات العلمية العالية، الذين يرون الآن وجود فرص سانحة أكثر من قبل في مدن مثل باريس وبرلين.
لم تخل أوروبا قط من وجود المتعلمين فيها - المؤسسات مثل إي تي إتش زيورخ، وكلية إمبيريال في لندن، والجامعة التقنية في ميونخ، هي من بين أفضل المؤسسات في العالم في مجال علوم الحاسوب – إلا أن عددا كبيرا من الناس ذهبوا إلى الخارج.
لا أحد يختلف في أن أوروبا تحتاج إلى تكثيف التزامها بالابتكار، لكن ما مقدار الرغبة لديها لتحقيق المزيد من التعطيل؟
لندن هي الآن صاحبة المكانة الأعلى في أوروبا، من حيث عدد مطوري التكنولوجيا الذين تستضيفهم، على الرغم من عوامل اللبس التي تحيط بموضوع البريكسيت.
أما ألمانيا فقد تجاوزت هذا العام المملكة المتحدة في عدد المطورين، مع وجود 837 ألف شخص مقارنة بـ 814 ألفا، وفقا لشركة رأس المال المغامر أتوميكو. في الوقت نفسه، مستوى التعليم العالي هو الأقوى في البلدان الاسكندنافية وشمالي أوروبا، بما في ذلك هولندا.
كما أن التقليد طويل الأمد من المهارات الحرفية في كل من ألمانيا وإيطاليا، والمستوى العالي من التعليم المهني في كل من ألمانيا وسويسرا، هو مصدر قوة آخر.
إنه لا يوفر فقط قاعدة مهارات أساسية تستفيد منها شركات التصدير وقطاع التصنيع المتقدم في أماكن مثل إيميليا رومانيا (في شمال شرق إيطاليا)، بل يساعدها أيضا في مكافحة اضمحلال فرص العمل الصناعية للطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة، وفي أماكن أخرى.
أما العلامة الثانية فهي التمويل. أحد التحديات التي تواجهها أوروبا كانت الاعتماد المفرط على التمويل المصرفي للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، بدلا من رأس المال المغامر وشركات الأسهم الخاصة، وهي صيغة كانت جيدة بالنسبة للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم في ألمانيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها عملت على توقف روح المشاريع في التكنولوجيا. تجميع رأس المال لتعديل نطاق الشركات كان ضئيلا.
هذا آخذ في التغير. المملكة المتحدة، بما لديها من قوة في أسواق رأس المال مقارنة بالأعمال المصرفية العالمية في كل من فرنسا وألمانيا، كانت هي الرائدة: من بين المبالغ المستثمرة في مشاريع التكنولوجيا الأوروبية الناشئة هذا العام، التي بلغت 19 مليار دولار، ذهب 5.4 مليار دولار منها إلى الشركات الموجودة في المملكة المتحدة مقارنة بمبلغ 2.5 مليار دولار في ألمانيا.
جمع الأموال عن طريق شركات رأس المال المغامر تسارع في فرنسا، بمساعدة الجهود الإصلاحية التي يبذلها الرئيس إيمانويل ماكرون.
كما تيقظت مؤسسات الاتحاد الأوروبي أيضا إلى الحاجة إلى دعم المزيد من الابتكار.
مبادرة هورايزون 2020 التي تتبناها المفوضية الأوروبية خصصت مبلغ 80 مليار يورو لتمويل الأبحاث والتطوير حتى عام 2020، بنك الاستثمار الأوروبي حول مزيدا من الأموال إلى رساميل للنمو. وتشمل استثماراته شركة هيلياتيك الابتكارية في مجال الطاقة الشمسية في دريسدين.
العلامة الثالثة هي الأبحاث والتطوير، حيث بقي استثمار القطاع الخاص في مجال الأبحاث والتطوير منخفضا بشكل عنيد في أوروبا بنسبة 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بأكثر من 3 في المائة في كوريا الجنوبية.
كما كان متركزا أيضا على قطاعات ذات نمو أقل مقارنة بالنمو في الولايات المتحدة، التي توجه بحوث القطاعين العام والخاص نحو قطاع التكنولوجيا الحيوية، والمعدات الحاسوبية والبرمجيات والرعاية الصحية.
بعد أن قامت بإنشاء عدد قليل دون الحد من الشركات الابتكارية الشابة في القطاعات الصحيحة، وفوتت بناء شركات من قبيل فيسبوك أو علي بابا، هنالك فرصة سانحة أمام أوروبا.
الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وتطبيق البرمجيات والخدمات على قطاع التصنيع المتقدم، كل ذلك يعزز من قوتها في مجال البحوث العلمية إضافة إلى وجود قاعدة صناعية عميقة.
السؤال هو ما إذا كانت ستستغل هذه الفرصة من أجل التجديد، فهي تتطلب ابتكارا أقوى في قطاعات مثل الطيران والفضاء والمناخ والطاقة، حيث تمتلك أوروبا بالأصل قوة تصنيع عالية.
هذا يعني إنشاء المزيد من الشركات مثل هيلياتيك، ليس في "وادي السيليكون الألماني" فحسب، بل في كل أنحاء القارة، بما في ذلك بلدان أوروبا الجنوبية التي تتخلف في مجالات التعليم والابتكار.
سيتطلب أيضا أمرا يبعث على القلق - الاستعداد لتحمل وحتى لتقديم الدعم المالي لمهاجمة الشركات القائمة وتغيير أوجه التوظيف.
ليست هنالك أي معارضة لفكرة مفادها أن أوروبا تحتاج إلى تصعيد التزامها بالابتكار، إلا أن التماسك الاجتماعي تعرض للتوتر بسبب أزمة منطقة اليورو، فما هو حجم الرغبة المتوافرة لمزيد من التعطيل؟
قد لا تكون هنالك خيارات تذكر. للمرة الأولى منذ سنوات كثيرة، بات لدى أوروبا فرصة الاضطلاع بدور قيادي في مجال الابتكار والتكنولوجيا والإنتاجية والنمو الاقتصادي.
من هنا، لا يمكن للقارة العجوز، التراخي وتفويت الفرصة، لأنه لا يمكنها التعثر مرة أخرى، لاستحالة النهوض، بعده.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES