Author

متأخرون جدا في الصحة النفسية

|
لا شك أن ضغوط الحياة وما يصاحبها من صعاب ومنعطفات لا بد أن تتسبب في أثر نفسي في داخل كل شخص منا، ولا أحد على وجه البسيطة يمكن أن يكون بمنأى عن تلك الضغوط. والناس هنا مختلفون في هذا الشأن فمنهم القوي الذي يمكن أن يتجاوز تلك الضغوط بحيث لا تتمكن منه وتسيطر عليه، ومنهم الضعيف الذي تتمكن منه وقد تدمر كل ما بداخله وتجعله عرضة للاكتئاب والأمراض النفسية الأخرى، وتجعله أسير العيادات النفسية التي هي في الغالب عبارة عن عيادات خاصة ربحية تهتم بالمال في المقام الأول. بالطبع لجوء المرضى للمراكز الخاصة يأتي من حالة ضعف واضح في الرعاية النفسية التي تقدمها وزارة الصحة، فالمستشفيات المتخصصة في هذا الشأن قليلة وبعضها ذات سمعة سيئة فقد كانت في الأساس مراكز لعلاج الإدمان من المخدرات، وتحولت لاحقا إلى مراكز نفسية تعالج الجميع سواء المدمنون أو المرضى النفسيون، ومن هنا يأتي الاحجام عن زيارتها خوفا من الخلط بين المدمن والمريض النفسي. أجزم أن الكثير يتفق معي أننا متأخرون كثيرا في مجال الصحة النفسية، سواء على مستوى التوعية فالكثير منا ما زال يرى أن المرض النفسي عبارة عن "جنون" وأمر معيب وأحيان يصل إلى "وصمة عار" لدرجة أن البعض يمكن أن يمرض ويتعافى دون أن يفصح عن مرضه لأقرب الناس إليه، ويبقى سرا لا يمكن أن يبوح لأحد به على الرغم من أهمية الإفصاح والاحتواء والتضامن من أفراد العائلة تجاه المصاب بمرض نفسي - لا سمح الله. وأيضا نحن متأخرون على مستوى جودة المراكز المتخصصة فهي لا تتوافق مع الانتشار الكبير للأمراض النفسية ، وما زلنا نخطو خطوات خجولة في هذا الشأن، فلا توجد أي عيادات نفسية في المراكز الصحية الأولية في الأحياء على الرغم من أهميتها، ولا يوجد القدر الكافي من كوادر الصحة النفسية في مستشفياتنا الحكومية، فأخذ موعد لمراجعة طبيب نفسي يحتاج إلى أسابيع طويلة أو شهور رغم حاجة المريض إلى التدخل السريع والفوري. بالأمس أطلقت وزارة الصحة مؤتمر جدة الدولي الأول للصحة النفسية، وهي خطوة مهمة وجديرة بالشكر، فأول مرة نشاهد مؤتمرا مختصا بالصحة النفسية بهذا الحجم وبرعاية مباشرة من وزير الصحة، ولكن هل هذا يكفي؟ بالطبع لا. فما نحتاج إليه هو استحداث مراكز جديدة في كل مناطق المملكة، وتحسين جودة الحالية وتوفير العلاج المجاني للمرضى الذين أجبرتهم رداءة الخدمة الحكومية إلى اللجوء للمراكز الخاصة التي أرهقتهم ماليا وزادت من أتعابهم النفسية.
إنشرها