default Author

سجن العقل «1»

|
يسعى الإنسان إلى الحرية دوما، سواء الحرية الفكرية أو حرية التصرف، وقد يكون جسده محبوسا في زنزانة مظلمة، ولكن عقله حر يسبح في الكون حيث شاء، يغمض عينيه أو يضع فكرة في رأسه فتحمله خارج معتقله، ولكن ماذا لو كان عقله حبيس موقف أو حادثة أو فكر معين لا يستطيع الخروج منه؟ هنا يكون السجن الحقيقي؛ لأنه عندما يسجن العقل تُشَل معه حياتك بأكملها فكريا وجسديا، لذا كان سجن العقل أشد أنواع الاعتقال مرارة في الحياة. فالعقل البشري هو المسؤول فعليا عن حياة الإنسان، فهو الوعي والذاكرة ومركز الحس والإبداع والتفكير والتخطيط. لا يستطيع أي عامل خارجي أن يسجن العقل البشري سوى العقل نفسه، فالأفكار بنات العقل ووليدته، حتى لو سجن جسد الشخص، فسيظل عقله حرا. يتخيل ويقرأ ويستنبط ويفكر ويتذكر ويبدع كل أنواع الأفكار دون سجن. حتى يبدأ هذا العقل في محاربة نفسه وسجنها، وهنا تكمن الخطورة. فما الأشياء التي قد تسلب عقلك منك وتسجنه داخل أسوارها؟ أول هذه الأشياء الخوف، والخوف ما هو إلا علامة تحذيرية في حياة البشر والحيوانات على حد سواء، تجاه المخاطر المحيطة لتجنبها والعيش بعيدا لا عن مسبباتها، ولكن ماذا لو تمكن الخوف من عقل الإنسان وبدأ يسيطر عليه، النتيجة الحتمية شلل تام في الحياة، وحدوث أمور أسوأ حتى من مخاوفنا. في إحدى الدراسات، وجدوا أن الفئران في أمريكا اللاتينية عندما تتعرض للخطر يغمى عليها مباشرة. وظن العلماء في البداية أنها تمثل الموت حتى تنجو، ولكنهم فيما بعد عرفوا أن عقولها تفقد الوعي من الخوف. أما لدى البشر فقد وجدوا أن 80 في المائة من الطلاب الذين استذكروا دروسهم جيدا قد أخفقوا في الامتحان، وذلك بسبب الخوف من الرسوب أو الحصول على معدل أقل. عند الخوف، لا يعمل العقل بصورة كاملة، بل يتجه بكل قوته نحو فكرة النجاة من الخطر، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الأدرينالين في الدم، وزيادة ضربات القلب، وكل هذه الأعراض المباشرة تتسبب في سجن العقل البشري داخل محاولة النجاة. أما بقية أجزاء العقل فتصاب بالشلل؛ لذلك يطلب من أغلبية الموظفين في الوظائف الحساسة أن يكون لديهم القدرة على إدارة الضغوط؛ أي تكون لديهم القدرة العقلية على عدم الخوف في الظروف الصعبة ليتمكنوا من اتخاذ القرارات الصائبة. أما ثاني سبب قد يسيطر على دماغك ويوقفه عن العمل فهو اليأس، خلاله تجد عقل الشخص الذي هو مكمن الذكريات والإرادة وقوة التفكير مستسلما تماما للفشل، الذي يقوده إلى الاكتئاب والعزلة واللامبالاة بمن حوله، فتنهار الثقة بالنفس، ويظل العقل حبيس الأفكار السوداوية. وللحديث بقية
إنشرها