Author

إدارة السيولة والفوائض لدعم النمو والتوظيف

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
أصدر صندوق النقد الدولي قبل أيام تقريرا عن إدارة السيولة في دول مجلس التعاون، وقد رأيت أن من المناسب الحديث عن هذا الموضوع باختصار، مركزا على موضوع الفوائض، خاصة مع قرب انتهاء عام مالي. تؤثر طريقة إدارة السيولة في أوضاع الاقتصاد، ولا شك أن حسن إدارتها يصب في مصلحة نمو الاقتصاد، وفي توليد الوظائف، وفي استقرار أوضاعه المالية. ويمكن القول إن المقصود بالاستقرار المالي حالة يكون فيها النظام المالي في الدولة قادرا على مقاومة الصدمات الاقتصادية، وقادرا على توفير ظروف يستمر فيها عمل الخدمات المالية المتاحة في البناء الاقتصادي. ما أهم خصائص اقتصادنا مما له علاقة بموضوعنا؟ لنبدأ بخاصية تثبيت سعر الصرف. ومعروف أن سعر الصرف الثابت الذي نتبناه وغيرنا من دول الخليج يوفر مرسى أو مثبتا جيدا لاقتصادنا، لكن لهذا المثبت ثمن. سعر صرف ثابت مقرونا بحرية حركة رأس المال يعني فقدان استقلالية السياسة النقدية. ومن أمثلة السياسة النقدية التحكم في سعر الفائدة بين المصارف المسماة "سايبر". خصيصة أخرى معروفة وهي قوة الاعتماد على دخل النفط. خصائص اقتصادية للموارد النفطية يتميز مورد النفط "ويشمل ذلك الغاز الطبيعي" من زاوية النظر الاقتصادي بخصائص أربع: الأولى: التقلبات الحادة في أسعاره وإيراداته، التي يصعب التنبؤ بها. الثانية: كونه موردا غير متجدد. الثالثة: يتمتع الفرد في بلادنا بنصيب مرتفع من الدخل النفطي، مقارنة بنصيب الفرد في دول نفطية أخرى. الرابعة: أنه يضعف القاعدة الإنتاجية التنافسية في الاقتصاد، بما يشبه ما يسمى المرض الهولندي. ثم ماذا؟ الخصيصة الأولى تتطلب من الدول النفطية تبني سياسات تهدف إلى تخفيف حدة تقلبات الإنفاق الحكومي، بسبب تقلب الإيرادات النفطية، ويعبر عن هذا الهدف بعبارة استقرار الإنفاق العام. وللقارئ أن يفهم هذا الهدف من توصية النبي يوسف - عليه السلام - لملك مصر وخلاصتها الادخار في وقت الرخاء لوقت الشدة. أما الخصيصة الثانية فتتطلب مراعاة حقوق الأجيال القادمة، ولنكون دقيقين أكثر، حقوق أجيال ما بعد نضوب النفط أو ما بعد فقدانه لأهميته القائمة. الخصيصة الثالثة، تتسبب في تراكم فوائض نفطية في غالبية السنوات. والخصيصة الرابعة تتطلب سياسات تخفض التأثير السلبي في القاعدة الإنتاجية. إدارة الفوائض بإنشاء صناديق حكومية "سيادية" في ضوء ما سبق، سارعت حكومات دول نفطية إلى إنشاء صناديق نفطية، والعمل على إدارة الفوائض النفطية، وهذه الصناديق مملوكة للحكومات، وهناك صناديق أخرى مملوكة للحكومات ومصدر أموالها غير فوائض النفط. وقد شاعت تسمية الجميع باسم صناديق الثروة الحكومية أو السيادية، وكلمة سيادية بدأ ظهورها عام 2005، ولكن بعض الصناديق مضت على إنشائها عشرات السنين. ومن أسباب إنشاء الصناديق أن من المشاهد جنوح الدول والأفراد عند تحقيق فوائض مداخيل مالية سريعة غير متوقعة إلى الإنفاق السريع، الذي يضعف معه تطبيق مبادئ الحكمة وترشيد الإنفاق في كثير من الأحيان. وفي إطار تقليل مساوئ الإنفاق السريع، جاءت فكرة وضع صندوق استقرار. المهم العمل وليس الاسم تتفاوت الدول النفطية في ظروفها ومدى انضباطها المالي العام، وكل هذه العوامل تؤثر في فاعلية وظيفة الاستقرار. ولذا يرى محللون أن كيفية إدارة الفوائض وتصرفات الساسة هي العناصر الأهم في الحكم، بغض النظر عن شكل التنظيم المؤسسي لإدارة الفوائض. الاستقرار والادخار مفيدان على المدى البعيد ربما يذكر بعض القراء أنه أثير قبل نحو عشر سنوات موضوع ارتفاع الإنفاق الحكومي بحدة، وتدخل فيه زيادة رواتب موظفي الحكومة أواخر عام 2007، وقد كتبت وقتها متحفظا على الارتفاع والزيادة، مبينا وجوب مراعاة اعتبارات كثيرة. وقد كان المغزى المستفاد من نصيحة يوسف - عليه السلام - لملك مصر أهم الاعتبارات. أما وقد صار ما صار، فمن المهم التنبيه على نقطتين مهمتين على المدى البعيد: الأولى: مطلوب تحقيق زيادات ملموسة عبر الوقت في إيرادات الحكومة غير النفطية، ولكن ينبغي أن تكون هذه الزيادة متدرجة، وأن تتزامن معها تقوية الإطار القانوني الذي يبنى عليه أسلوب عمل الميزانية وإدارة مالية الحكومة، بما في ذلك النظم المحاسبية والرقابية والمساءلة. الثانية: الاهتمام جدا بتقوية القاعدة الإنتاجية، خاصة في الصناعة وتوطين التقنية والتدريب. وكلتا النقطتين مثار اهتمام "الرؤية". ونرجو أن نرى قريبا وجود قانون أساسي يتناول كل جوانب الإدارة المالية الحكومية.
إنشرها