Author

اقتصادات السياحة الجبلية

|
في الأيام القليلة الماضية انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي فيديو زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد وزير الدفاع لمدينة العلا ومدائن صالح وخيبر وضواحيها، حيث تفقد المدينة ووقف على آثار وتراث الحضارات القديمة التي نشأت قديما في هذه المنطقة الثرية والغنية بتراثها وإمكاناتها الطبيعية الخلابة. والواقع أن المنطقة ترتبط بمشروع البحر الأحمر السياحي العالمي، الذي سبق أن أعلن عنه الأمير محمد بن سلمان ضمن مشاريعه العملاقة غير التقليدية لتنويع مصادر الدخل الوطني. ولكن حديثنا في هذا الموضوع يتعلق بالسياحة الجبلية، وهي الجانب الفرعي من مشروع البحر الأحمر السياحي العالمي الذي يتضمن تطوير السواحل الشمالية المترامية الأطراف. إن الجبال الواقعة بالقرب من خيبر والعلا تعد منابع سيلان وادي الرمة الشهير الذي تبدأ منابعه من جبل أبيض وجبل القدر، وتتميز هذه الجبال بمسارات صخرية للأودية والشعاب التي تبدأ من أعالي هذه الجبال على ارتفاع 2000 متر تقريبا متجهة شرقا لتصب في وادي الرمة العظيم الذي يتصل بمنطقة القصيم، ويبحر في قلب أراضي المملكة. وتتميز التضاريس الجبلية في هذه المنطقة بإمكانية زرع شلالات صناعية تترقرق إليها من مياه الأمطار. والواقع أن الزيارة الميدانية التي قام بها الأمير محمد بن سلمان للمنطقة في الأيام القليلة الماضية كانت تستهدف اكتشاف إمكانات الاستثمار في المنطقة من خلال سياحة ثلاثية الأبعاد: السياحة الساحلية، وسياحة آثار الحضارات القديمة، ثم ما يعرف باسم السياحة الجبلية، وهي نوع من أنواع السياحة التي بدأت تلفت أنظار السياح من كل أنحاء العالم. إن البحيرات والشلالات في أعالي الجبال ستكون وجهة سياحية فريدة ورائعة لمشاريع السياحة في المملكة خاصة مع انخفاض درجات الحرارة صيفا على هذه السلسلة الجبلية التي تترامى في مناظر طبيعية مبهرة تنتزع إعجاب الزوار والسياح. وإذا كانت الجبال في خيبر والعلا هي منابع سيلان المياه إلى وادي الرمة، فإن مشاريع السياحة الجبلية في المملكة سوف تمتد من خيبر والعلا حتى منطقة القصيم، أي أن رقعة السياحة الجبلية سوف ترتبط بمشروع تطوير سواحل البحر الأحمر السياحي إلى قلب المملكة في منطقة القصيم، وتتصل بوادي الرمة الذي يعد من أهم أودية الجزيرة العربية؛ إذ يبلغ طوله أكثر من 1000 كيلومتر، ويبدأ من مشارف المدينة المنورة من السفوح الشرقية لجبال المنطقة وسفوح الحرات المجاورة عند خط العرض 25 درجة و43 دقيقة شمالا، وخط الطول 40 درجة شرقا، ويتجه نحو الشرق، حيث يمتد إلى حدود الكويت مرورا بين جبال أبانات المشهورة في منطقة القصيم، ويصب في الوادي أكثر من 600 رافد ويعد حاليا متنزها عاما لأهالي القصيم، وغدا سيكون متنزها عاما لكل السياح من داخل المملكة وخارجها. إن هذه المبادرات التي يفاجئنا بها ولي العهد يجب أن تجد اهتماما خاصا من كل مسؤول ومن كل مواطن سعودي كل حسب موقعه ــ قربا أو بعدا ــ من الثروات الطبيعية التي تمتلكها بلادنا، بل يجب أن يلمس الأمير المبدع المتحمس أن كل مواطن سعودي يقف معه لتطوير ثروة تراثية وطبيعية تحتاج إلى كفاءات وطنية واستثمارات تتجاوز مليارات المليارات من الريالات، وتحتاج ــ قبل ذلك ــ إلى جهود بشرية خارقة. ولذلك إذا كنا قد بدأنا نهتم بالسياحة في إطار أماكن الترفيه، فإن السياحة الدولية تهتم أكثر بالبعد الثقافي والحضاري، وهذا البعد يحتاج إلى استثمارات هائلة، بمعنى يجب أن نبادر بالدخول في نواميس السياحة الدولية، بل يجب أن نضع الخطط القصيرة والطويلة الأمد ونعتمد الأموال اللازمة بسخاء لتطوير تراثنا الحضاري، ونسعى بكل الهمم لتسجيل مزيد من المناطق الأثرية في منظمة اليونسكو العالمية حتى نقول للعالم إن لدينا كثيرا من الصروح الحضارية التي تضارع صروح الآثار والحضارات العالمية الأخرى. إن المنافسة بين الدول على استقطاب السياح في سوق السياحة العالمية لم تعد أمرا سهلا، بل أصبحت شديدة وقوية، فالسياحة ليست تمشيات وفسحا فقط، بل هي صناعة وتسويق ومنافسة عالمية ضارية، ونعرف أن السياحة لدى كثير من الدول في أوروبا وفي منطقتنا العربية، تعد المورد الرئيس لدخلها القومي، ونحن بدورنا يجب أن نسعى لكي تكون إيرادات السياحة موردا من الموارد الرئيسة لدخلنا الوطني. إن قضية تنويع مصادر الدخل لم تعد قضية خيارية، بل أضحت ــ كما نصت على ذلك "رؤية السعودية 2030" ــ من القضايا الوطنية الملحة والمطروحة بقوة في هذه الأيام، لأن أي اقتصاد وطني لن يتمتع بالصحة والعافية إلا إذا كانت عوائده متنوعة. إن الاعتماد على مصدر واحد وهو البترول وعلى مدى أكثر من نصف قرن يصيب الاقتصاد الوطني بالتبلد وفقدان الحيوية، وتعد السياحة هي المورد الواعد الذي يتقدم لكي يكون موردا لامعا ضمن موارد الدولة. ونضيف إلى ذلك أن البترول لم يعد من الموارد الناضبة فحسب، بل أصبح من الموارد التي باتت تنافسها بعض موارد الطاقة الأخرى، بمعنى أنه أصبح يهدد بترولنا ما يسمى اليوم البترول الصخري، وكذلك تهدد بترولنا مصادر الطاقة البديلة كالطاقة النووية والطاقة الشمسية وغير ذلك من أنواع الطاقة المتجددة التي دخلت مع البترول التقليدي في حلبة المنافسة. وختاما نؤكد أن الوقت قد حان كي نبدأ مشاريع كل أنواع السياحات بدءا من السياحة الدينية، والسياحة الجبلية، والسياحة الرياضية، وسياحة المتاحف، وسياحة الفنون الناعمة، وكل أشكال وأنواع السياحات التي أصبحت تشكل المورد الرئيس للدول المتقدمة.
إنشرها