FINANCIAL TIMES

نمط الاستثمار التقليدي يتلف مسار فقاعة «بيتكوين»

نمط الاستثمار التقليدي يتلف مسار فقاعة «بيتكوين»

هذه الصورة، حقيقة تنبع من أشهَر الفقاعات في الماضي. أسهم الإنترنت والقنوات والسكك الحديدية والسيارات جميعها كان لديها مستقبل عظيم في انتظارها، حين كانت في مركز الفقاعات.
فقاعة الإيثانول القصيرة التي حدثت في عام 2006 نشأت من الانشغال العالمي المتزايد بقضية التغير المناخي والبحث عن بدائل للوقود الأحفوري، والفقاعات في اليابان في عام 1989 وفي الصين في عام 2007 ظهرت بسبب اثنتين من أغرب قصص النمو الاقتصادي في التاريخ.
في جميع حالات الفقاعات، كانت هنالك قصة نمو مثيرة يجب سردها. ولأن النمو كان في المستقبل، فمن المستحيل تقييمه بشكل أكيد في الحاضر.
الجشع يفوق الخوف في الوقت الذي يشهد فيه الناس الأسعار وهي ترتفع أمام أعينهم إلا أن الواقع كان إيجابيا، فكل ما في الأمر أنه أسيء تصوره. لذلك ما هو بالضبط التصور الخاطئ الذي يدفع إلى كل هذا الهوس بالـ"بيتكوين"؟ وهل هذا التصور الخاطئ يعمل على تحويل الأموال من الأصول الأخرى، ويؤدي إلى وجود ما يطلق عليه مدير صندوق التحوط دييجو باريلا تعبير "الفقاعة المضادة" في كتاب جديد له؟
إليكم بعض الحقائق الأساسية بالنسبة للناس الذين كان من حسن حظهم أنهم تجنبوا الإثارة: "بيتكوين" هي شكل ثوري من العملة الرقمية التي تسمح بإجراء المعاملات من خلال شبكات حاسوب لا مركزية. يقيم المال في "محفظة" حاسوبك، وليس في دفتر حسابات في أحد المصارف، وتجري حمايته من خلال أحدث أدوات التشفير.
منذ استحداثه قبل نحو العقد، أثار الـ "بيتكوين" أكبر دَفعة مثيرة للأعجاب في نشاط المشاريع منذ الموجة الأولى من الاستثمارات في شبكة الإنترنت. هنالك الآن الكثير من العملات المشفرة، في الوقت الذي يعمل فيه أصحاب مشاريع مختلفون على توسيع نطاق المفهوم ليشمل العقود وحتى الصحافة.
الشخص الذي يفتقر تماما إلى الخيال هو من لا يستطيع الشعور بالإثارة التي يولدها استخدام التكنولوجيا. كما هي الحال مع شبكة الانترنت قبل عقدين من الزمان، قدرتها على تغيير طبيعة الأشياء قدرة واضحة.
هذا لا ينطبق بالضرورة على سعر الـ"بيتكوين" نفسه. كما أثبتت فقاعة الدوت كوم، حتى أكثر التكنولوجيات إثارة على الأمد الطويل يمكنها أيضا أن تصيبك بخسائر فادحة وطويلة الأجل، إن تم تقييمها بشكل مبالغ فيه.
تمتعت الـ "بيتكوين" حتى الآن باثنتين من الفقاعات المتطرفة. خلال عام 2013، عندما حققت مكاسب بلغت 5500 في المائة. الآن، تحقق تلك المكاسب مرة أخرى، وتتسبب في إثارة حادة.
مهما بلغت روعة التكنولوجيا، إلا أنه ليس هنالك مخطط تقييم ممكن من شأنه تبرير ارتفاع أسعارها خمسة أضعاف خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من هذا العام، ومن ثم بنسبة 70 في المائة أخرى خلال الأسبوع الماضي. هذا يتبع السعر النمط الكلاسيكي لهوس الاستثمار.
لماذا؟ لأن جزءًا كبيراً من ذلك يعود إلى أن التكنولوجيا مثيرة جدا. لكن هنالك ما هو أكثر من مجرد دفع سعر مرتفع جدا للأسهم في شركة سيسكو للنظم، كما فعل الناس في عام 2000.
قد يكون من المنطقي لو كان هذا جزءا من فقدان ثقة أوسع نطاقا في النقود الوثيقة (المفروضة بقوة الدولة).
واصلت المصارف المركزية تطبيق سياسات مالية سهلة منذ الأزمة في محاولة منها لدعم أسعار الأصول ودفع النشاط. تبدو الأسهم أنها ذات أسعار تفوق كثيرا قيمتها الحقيقية. والسندات هي أيضا أكثر حتى من ذلك.
الأعمال الفنية لم يسبق لها قط أن اجتلبت مثل هذه الأسعار الضخمة. الـ"بيتكوين" مجرد زائدة سخيفة فيما أصبح منذ فترة "فقاعة في كل شيء".
وهكذا يمكن اعتبار الـ"بيتكوين" وكأنها رهان ضد التضخم المتفشي في أسعار الأصول، ومحاولة للحماية من انهيار وشيك، في الوقت الذي يؤدي فيه ارتفاع أسعار الفائدة في النهاية إلى انهيار بيت المال الهش.
هذا لا يفسر كل شيء. ارتفع الذهب بنسبة 10 في المائة خلال العام، وهذا أقل من نمو الأسهم، وكان آخذا في التراجع خلال أحدث مرحلة من التقدم المفرط لعملة الـ"بيتكوين".
بدلا من ذلك، يمكن أن يعزى الهوس لاقتناء الـ"بيتكوين" إلى ظروف اجتماعية أوسع نطاقا. الطلب هو أكبر ما يمكن في بلدان حوض الباسفيك، حيث تحاول كل من كوريا الجنوبية وتايوان واليابان والصين جميعا كبح جماح الاهتمام المتطرف للتداول في العملة.
خاصة في الصين، فالطلب فيها علامة على عدم ثقة بالحكومة، وليس في عملتها، فحسب.
يبدو هذا أيضا أنه ينطبق على الطلب على الـ"بيتكوين" في الولايات المتحدة، حيث يبدو الداعمون بأنهم حريصون على الذهاب في شوط بعيد للغاية من تجاوز المصارف العادية أو المصارف المركزية.
ويبدو عليهم أنهم أكثر اهتماما بكثير في إخراج الحكومات من المعادلة تماما. إن لم يكن الطلب على الـ"بيتكوين" فوضويا بحق، فإنه علامة على انهيار جذري وعالمي في الثقة بالمؤسسات القائمة.
من الواضح أن التكنولوجيا اللامركزية تسمح بإمكانية حدوث ذلك، إلا أنه من المرعب أن يعتبر الناس هذه الفكرة جذابة. شبكات الحاسوب، كما نعلم، يمكن أن تتعرض للهجوم بسهولة.
التشفير يفيد في الحماية، لكن هنالك نقاط ضعف عندما يدخل الناس ويخرجون من نظام البلوك تشين (سجلات الـ"بيتكوين").
يوم الخميس الماضي طالعتنا الأخبار بعملية سرقة كبيرة للـ"بيتكوين". خلال عقد أو نحو ذلك، هناك احتمال كبير بأن تكون الحوسبة الكميّة قادرة على اكتساح أفضل حصون الدفاعات الحالية.
في الوقت نفسه، معظم الحكومات في مختلف أنحاء العالم ديمقراطية وتستمد شرعيتها من الانتخابات، إلا أن الثقة بالديمقراطية نفسها يبدو أنها متدنية كثيرا، إلى درجة أن الناس على ما يبدو يشعرون بجاذبية وضع الثقة في مبرمجين غير منتخَبين.
يمكن لجنون الـ"بيتكوين" أن يجلس جنبا إلى جنب مع مختلف النتائج ذات السمات الشعبوية الصاعقة في الانتخابات التي رأيناها خلال السنوات القليلة الماضية، باعتباره أحد أعراض انهيار الثقة بالمؤسسات الغربية – وكذلك أحد أعراض الإحباط في آسيا من المؤسسات التي تقود النمو هناك.
بالتالي، حين تسير فقاعات الـ"بيتكوين" جنبا إلى جنب مع الفقاعات في الأسهم والسندات والنقدية، فأين هي الفقاعات المضادة التي كان يسعى إليها باريلا؟ بالنظر إلى استماتة الناس للحصول على مستودع للقيمة، ربما يكون الذهب هو أحد هذه الفقاعات المضادة. وهو يشير كذلك إلى أن التقلب والتأمين ضد التقلب هما الآن عند مستويات رخيصة تماما. إحدى الإمكانيات الأخيرة هي أن هناك فقاعة مضادة تكمن في الحكومات. يبدو أن الإيمان راسخ بقدرة الحكومات على القيام بأي شيء مفيد لأي شخص يصل الآن إلى مرحلة الأزمة – ويمكن أن تكون هناك مكافآت لأي شخص يستطيع أن يبرهن للناس على أن حكوماتهم تعمل لصالحهم، وأنها تستطيع تحقيق شيء ما.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES