FINANCIAL TIMES

الأسر الهندية تتحمل فوق طاقتها لرعاية مرضى الخرف

الأسر الهندية تتحمل فوق طاقتها لرعاية مرضى الخرف

جولي بانيرجي ميهتا، أستاذة هندية تعيش في كندا، قُذِفت إلى عالم مرض الزهايمر، في لحظة مفاجئة في غاية القسوة قبل عشر سنوات.
كان والدها قد عاد للتو إلى البيت من المستشفى، وتجمعت الأسرة في منزلهم في كالكوتا للاحتفال بعيد ميلاده الذي تأخر وقته. وأثناء الاستعداد لقطع الكعكة، حدقت والدة ميهتا - طبيبة متقاعدة - في زوجها، ومن ثم سألت بحدة: "من هذا الرجل؟ لقد أحضرتم رجلا محتالا إلى البيت".
بعد ذلك بيوم، أكد الأطباء أن والدة ميهتا، أنيما بانيرجي، البالغة من العمر 87 عاما آنذاك، كان تعاني مرض ألزهايمر. لو كانت هنالك علامات تحذيرية مبكرة أو أعراض أكثر اعتدالا، فقد تم التغاضي عنها، أو ربما رفضها باعتبارها من المشاكل الروتينية التي يواجهها كبار السن.
تستذكر ميهتا، التي كانت في زيارة إلى كالكوتا في ذلك الوقت: "كانت والدتي مثالا للمرأة الخارقة. عندما لم تتمكن من التعرف على والدي، شعرت كأن الأرض تميد بي".
في الأسابيع التالية، قامت الطبيبة بانيرجي بمهاجمة زوجها عدة مرات - حبيبها من أيام كلية الطب - لاقتناعها بأنه شخص دخيل. وكان لا بد من نقلها إلى غرفة نوم منفصلة، تحت مراقبة دائمة. تقول الآنسة ميهتا: "رغم كل محاولاتها، لم تستطع أن تتفهم مَن كان ذلك الرجل، كنا خائفين على حياته".
قد تكون الهند بلدا معظم سكانه من الشباب، حيث إن 65 في المائة من سكانها البالغ عددهم 1.25 مليار نسمة تحت سن الخامسة والثلاثين، لكن أكثر من 80 مليون فرد هم فوق سن الخامسة والستين اليوم.
من بين أولئك الأشخاص، يقدر بأن أكثر من 4 ملايين شخص يعانون مرض ألزهايمر وأشكالا أخرى من الخرف، ما يجعل الهند تحتل مرتبة ثالث أعلى عدد من حالات المرض في العالم، بعد الصين والولايات المتحدة.
من المتوقع أن يصل عدد المصابين بالخرف والزهايمر في الهند إلى نحو 7.5 مليون شخص بحلول عام 2030، في الوقت الذي يرتفع فيه عدد كبار السن من سكانها. الخدمات العامة المقدمة لكبار السن لا وجود لها في الهند، ولا تزال الرعاية الخاصة المقدمة لكبار السن في مراحلها الابتدائية.
مع زيادة عدد النساء العاملات وتفكك العائلات المشتركة التقليدية بسبب الهجرة، فإن العناية المقدمة للمصابين بمرض الخرف تشكل تحديات خطيرة.
هنالك مخاوف من وجود أزمة رعاية صحية تلوح في الأفق. يقول الدكتور جيكوب روي، مؤسس "جمعية الزهايمر والاضطرابات ذات الصلة" في الهند: "الشيخوخة موضوع لا يتم التعامل معه بجدية أبدا من قبل المشرعين، الذين يفترضون أن الأسر والعائلات هي مَن سيعتني بالشخص الكبير في السن. لسوء الحظ، هذا لا يحدث. الهند آخذة في التغير - ومقدمو الرعاية التقليديون ليسوا موجودين".
لا يزال مرض الزهايمر في الهند يعتبر مشكلة خفية إلى حد كبير، والطبيبة بانيرجي ليست إلا واحدة فقط من بين فئة قليلة جدا من المرضى الذين يتم تشخيصهم رسميا أو معالجتهم.
لا يزال معظم الهنود يعتبرون أن فقدان الذاكرة والتشوش هما جزء حتمي من الشيخوخة، بدلا من اعتبارهما دلائل على وجود مرض انحلالي.
تقول مالا كابور شانكارداس، الرئيس الآسيوي للشبكة الدولية للوقاية من الإساءة للمسنين: "غالبا ما ترفض الأسر استشارة طبيب. هنالك عقلية تعارض علاج المرضى المصابين بالخرف. إنهم يعتقدون أنه بصرف النظر عما تفعله، لا يمكنك التخلص من المرض، لذلك ما الفائدة من استشارة طبيب؟"
عدم وجود التشخيص له أضرار. عندما يشعر المسنون الهنود بالغضب أو يتصرفون باندفاع أو يشتكون بغضب من الرعاية المقدمة - وهي أعراض شائعة لمرض ألزهايمر – فإنه يُنظَر إليهم على أنهم يتعمدون المعاملة العسيرة أو العنيدة، ما يولد توترات حادة داخل العائلة.
تقول الآنسة شانكارداس: "إن لم يتم التعامل مع الظاهرة كمرض، بل كأمر مزاجي، سوف تنشأ الصعوبات. بعض الناس يعتبر أن هذه الأعراض صراع بين الشخصيات. هنالك احتمالية لحدوث إساءة أو سوء معاملة أو تجاهل لكبار السن بسبب تلك الأعراض".
يقول الدكتور روي إن التشخيص المناسب - وتقديم المشورة للأسرة - يعمل على تحسين نوعية الرعاية، ما يساعد الأقرباء المستائين والمحبطين بأن يصبحوا أكثر تعاطفا وصبرا.
يقول الدكتور روي: "في اللحظة التي يقول فيها الطبيب، أصيب والدك بمرض تدرجي في الدماغ، يتغير موقفهم بالكامل. هذا يجعل من الأسهل على مقدمي الرعاية الاعتناء بالمرضى. حتى ذلك الحين، كانوا يتلمسون طريقهم في الظلام. وذلك يغير من ديناميات العائلة".
تعمل "جمعية الزهايمر والاضطرابات ذات الصلة" في مجال التوعية بمرض الزهايمر وتشجيع علاج أعراضه. مع ذلك، وصمة المرض تشكل عائقا. تقول شانكارداس: "يعتقد الناس أيضا أن هذا المرض يمكن أن يكون وراثيا، ولا يحبون الاعتراف بأن هنالك شخصا مصابا به في العائلة".
يعيش غالبية المسنين من الهنود في المنازل، معظمهم مع أزواجهم أو أطفالهم الكبار، وأحيانا ما يعيشون وحدهم، أو تحت رعاية خادمة بدوام كامل.
ديليب ساركار، أرمل يعاني أعراضا واضحة لمرض الزهايمر، يتلقى الرعاية من رادها جارامي، البالغة من العمر 35 عاما، وهي خادمة تعمل في بيته منذ أكثر من عقدين من الزمن. تقول: "تقتصر حياتي الآن على العمل في هذه الشقة. فأنا الوحيدة التي يمكنها التعامل معه ورعايته".عندما تنتاب ساركار حالة من الغضب والهياج، يقوم أحيانا برمي الأشياء عليها، وتهدده بترك العمل. ثم يتوسل إليها الجيران بأن تبقى، كما تفعل ابنته التي تتصل بها من الخارج. وتقول: "لدي هذا الالتزام".
بالنسبة لعائلات أخرى، يمكن لمريض ألزهايمر تمزيق حياة الأسر السابقة بالمعنى الحرفي. بعد وفاة والدها في عام 2012، شعرت ميهتا بأنها مضطرة لمغادرة كندا والعودة إلى أمها. قالت: "كنت منقسمة ما بين هنا وهناك. كان العبء كبيرا جدا. اعتقدت بأنني كنت على وشك الانهيار".
لايلي ثومبسون، التي نشأت في كالكوتا، كانت مديرة أولى في الموارد البشرية في هيئة النقل في لندن، عندما تم تشخيص حالة والدتها بإصابتها بمرض الزهايمر. في البداية، تناوبت هي وشقيقتها في الولايات المتحدة السفر إلى الوطن كل بضعة أشهر.
بعد إطالة التفكير ومشاورة ضميرها، تركت ثومبسون، البالغة من العمر 53 عاما، العمل وعادت إلى كالكوتا. إضافة إلى عبء والدتهما، كان والدهما أيضا في أمس الحاجة إلى وجودهما ودعمهما. تقول ثومبسون: "كان والدي يشعر بالاكتئاب. من الصعب جدا ألا تكون قادرا على التحدث مع شريك حياتك".
توفي والدها قبل أشهر قليلة، لكنها تعتني الآن بوالدتها التي تبلغ من العمر 89 عاما، على الرغم من أنها لا تكاد تعرفها. تقول ثومبسون: "تنسى أنني ابنتها، لكنها تعلم أنني شخص تربطها به علاقة خاصة".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES