أخبار اقتصادية- عالمية

1.1 تريليون دولار استثمارات خارجية تنعش الأسواق الناشئة في 2017

 1.1 تريليون دولار استثمارات خارجية تنعش الأسواق الناشئة في 2017

مع اقتراب عام 2017 من نهايته، تتجه الأنظار إلى الأسواق الناشئة لتقييم أدائها الاقتصادي، باعتبار ذلك الوسيلة الأساسية لاستشراف مستقبلها خلال العام المقبل والتعرف على معدلات النمو المتوقعة خلال السنوات المقبلة.
وبصرف النظر عن معدل النمو الاقتصادي الذي حققته الأسواق الناشئة هذا العام، والذي يقدره المختصون بما يزيد على 4 في المائة، فإن الأهم هو أن تلك الأسواق بدت أكثر نضجا في التعامل مع التغيرات الاقتصادية، التي ظلت سنوات وعقودا أحد العوامل السلبية التي تحد من قدرتها على النمو.
ويصف الدكتور ديفيد داي الاستشاري في الأمم المتحدة وضع الأسواق الناشئة لـ "الاقتصادية" بأنها "وصلت لمرحلة الانعتاق من هيمنة الفيدرالي الأمريكي"، معربا في ذات الوقت عن ثقته بأن حالة الضعف التي اتصفت بها تلك الأسواق لسنوات، وجعلتها رهينة للسياسات المالية للبنوك المركزية في البلدان المتقدمة وتحديدا الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وتلاعبه بأسعار الفائدة، وهو ما مثل قبلة الموت أو الحياة لتلك الاقتصاديات الناشئة، لم تعد موجودة أو أن تأثيرها ضعيف للغاية.
ويبدو ذلك جليا في أن خطوات الفيدرالي الأمريكي، وغيره من البنوك المركزية في البلدان المتقدمة، الرامية إلى تشديد سياستها النقدية عبر رفع أسعار الفائدة، لم تصب المستثمرين في الاقتصادات الناشئة – كما كان الحال في سنوات سابقة - بالهلع أو التراجع والانسحاب، وهو ما يعكس تغيرات واضحة في المشهد الاستثماري في تلك البلدان، وثقة متزايدة من قبل المؤسسات المالية والمستثمرين الدوليين في مصداقية وثبات عملية النمو فيها.
الدكتور روجر دولن أستاذ الاقتصادات الناشئة لا ينفي تلك التطورات، لكنه يربطها بمزيج من العوامل، التي ساعدت على حد قوله على إحداث تحرر نسبي للاقتصادات الناشئة من وطأة الاقتصادات المتقدمة.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "العوامل المؤثرة في تحرير الاقتصادات الناشئة تشمل النمو الاقتصادي العالمي القوي، واستقرار أسعار السلع الأساسية، وتحسن الأسس الاقتصادية في الاقتصادات الناشئة نتيجة عملية التحرر الاقتصادي".
ويشير مؤشر "إم إس سي آي" لبورصات الأسواق الناشئة إلى أن معدل الزيادة خلال هذا العام بلغ 28 في المائة؛ أي أكثر من 18 في المائة مما حققه مؤشر ستاندرد آند بورز 500، ليكون عام 2017 أحد أفضل الأعوام التي مرت بها الأسواق الصاعدة منذ عام 2009، كما أن عديدا من عملات الأسواق الناشئة والسندات الحكومية حققت نجاحات ملموسة هذا العام.
وقد مثل هذا التحسن عنصر جذب لرؤوس الأموال الأجنبية، التي تدفقت إلى الأسواق الصاعدة لتبلغ 1.1 تريليون دولار، في شكل استثمارات في أصول في تلك الأسواق خلال العام الجاري، ويعد ذلك وفقا لمعهد التمويل الدولي أكبر تدفق للأموال في تلك الأسواق خلال السنوات الثلاث الماضية، وسط توقعات بأن يصل حجم رؤوس الأموال المستثمرة في الأسواق الصاعدة العام المقبل إلى 1.2 تريليون دولار.
وذكر معهد التمويل الدولي في تقريره الأخير، أن تدفقات أموال المستثمرين على الأسواق الناشئة، التي شهدت ازدهارا معظم العام الجاري، تراجعت كثيرا عن التدفقات النازحة في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، وتضررت أسواق الأسهم بصفة خاصة تضررا شديدا.
وأشار المعهد الذي ينشر بيانات التدفقات المالية إلى أن موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع قانون الإصلاح الضريبي ستساعد على تراجع تحول التدفقات الصافية إلى سلبية، وهو ما أسهمت فيه نوعا ما أيضا بعض عمليات جني الأرباح.
ويتوقع الدكتور جاستين هاردي نائب الرئيس التنفيذي السابق في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن تشهد الأسواق الناشئة مزيدا من الاندفاع الاقتصادي خلال الأعوام الخمسة المقبلة، رغم أنها ستواجه اختباراً صعباً في 2018.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، أن "الأبحاث التي قمنا بها في 45 دولة تنتمي إلى فئة الأسواق الصاعدة تظهر أننا أمام طفرة نادرة من النمو الاقتصادي هذا العام، وتلك الظاهرة لم تحدث سوى ثلاث مرات خلال الـ50 سنة الماضية".
وأشار هاردي إلى أن ارتفاع أسعار المواد الخام دعم عديدا من تلك الاقتصادات، فالنحاس مثلا ارتفع بنحو 19 في المائة هذا العام، وكذلك عديد من المنتجات الأولية، وهو ما انعكس إيجابا بشكل ملحوظ على الميزان التجاري للأسواق الصاعدة، ولهذا قدر صندوق النقد الدولي متوسط النمو في تلك الأسواق بـ 4.6 في المائة، أي أكثر من ضعف معدل النمو في الاقتصادات المتقدمة، وسط توقعات ببلوغ معدل النمو العام المقبل 4.9 في المائة، كما أن صناديق التحوط التي ركزت استثماراتها في الاقتصادات الناشئة، حققت معدلات ربحية تفوق الأرباح التي حققتها نظيرتها التي انصبت استثماراتها على البلدان المتقدمة".
ومع هذا، يرى كثير من الخبراء أن النجاحات التي حققتها الأسواق الناشئة تعود إلى عملية الإصلاح الاقتصادي الداخلي، وإطلاق قوى الدفع والنمو الاقتصادي المحلي عبر منح هامش أكبر للقطاع الخاص للنمو، فقد شهدت الأعوام الأخيرة زيادة ملحوظة في حجم الاحتياطات النقدية من العملات الأجنبية في تلك الأسواق، كما تم تخفيف الضوابط الحكومية على أسعار الصرف، وسمح ذلك إلى حد كبير بامتصاص الصدمات الاقتصادية الناجمة عن رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من ذلك فإن بعض الأصوات الاقتصادية لا تنفي قناعتها بأن الأسواق الناشئة ليست في أمان تام، وأن الاقتصادات الكبرى لن يكون لها مصلحة حقيقية في تمتع تلك الأسواق بالاستقلالية، وهو ما يفتح الباب لإمكانية حرب خفية مستقبلية بين الطرفين.
الدكتور أدرين هوي عضو حزب العمال البريطاني وأستاذ الاقتصاد الدولي يرى أن الاقتصادات الناشئة استطاعت قطع شوط كبير لنيل استقلاليتها، إلا أن الاقتصادات الكبرى لا يمكن أن تترك ذلك يمر مرور الكرام.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن المخاطر لا تزال قائمة، خاصة إذا رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بشكل قوي للغاية أقوى مما تتوقعه الأسواق أو المستثمرون، إذ يمكن أن يعزز ذلك وضع الدولار، ويُوجِد حالة من التذبذب في كل من الصين والهند.
ويشير عضو حزب العمال البريطاني، أن ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة يؤدي إلى تقوية الدولار، وهذا خبر سيئ لمعظم الاقتصادات الصاعدة، إذ إن أغلب ديونها مقيمة بالدولار، وهذا يعني امتصاص أي فائدة ستجنيها من زيادة أسعار صادراتها.
ويعتبر محللون أن المخاطر الكبيرة التي تهدد استمرار الأداء الجيد للأسواق الناشئة تتضمن احتمالية ارتفاع الدولار الأمريكي وتباطؤ النمو الاقتصاد الصيني الذي قد يضر بالطلب العالمي على الموارد.
وخلال اضطرابات الأسواق عام 2013، تراجعت أصول الأسواق الناشئة بسبب ارتفاع عائدات سندات الخزانة الأمريكية إثر إشارة مجلس الاحتياطي الفيدرالي لرغبته في خفض الأموال التي يضخها في النظام المالي.
أما في الوقت الراهن، فإن بعض المحللين يرون أن القلق يكمن في الإصلاحات الضريبية الأمريكية، التي من شأنها رفع قيمة الدولار أمام عملات الأسواق الناشئة، وهذا يعني هروب التدفقات المالية إلى نظيرتها المقومة بالدولار.
لكن أغلب الاقتصاديين المنتمين للتيار الليبرالي لا يرون مؤشرات على عدوانية مقبلة من البنوك المركزية للاقتصادات المتقدمة، ما يستبعد إمكانية حدوث صدام بين الأسواق الناشئة والاقتصادات المتقدمة، بل إن البعض يشير إلى أن أجواء القلق التي سادت الاقتصاد العالمي مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، وترافق ذلك مع مخاوف بتفشي الحمائية التجارية على مستوى العالم، وما يستتبعها من تراجع في معدلات النمو الاقتصادي، كل هذا قد تراجع الآن بعد أن أظهرت الإدارة الأمريكية واقعية وإدراك بأن ما أنجز في مجال التحرر الاقتصادي على المستوى العالمي لا يمكن التراجع عنه، وهو ما يمنح الاقتصادات الناشئة فرصة أكبر لتعزيز استقلاليتها الاقتصادية في مواجهة الدول الكبرى.
ووسط تلك الأجواء المتفائلة بشأن الأداء الاقتصادي في الأسواق الناشئة حاليا ومستقبلا، لا يتردد البعض في الإعراب عن قلقه بشأن المستقبل، ولكن لأسباب لا تمت للاقتصاد بصلة.
الدكتورة مارجريت هاولي أستاذة مبادئ العلوم السياسية، تعتقد أن الخطر الحقيقي الذي يتهدد مجموعة رائدة اقتصاديا من الأسواق الناشئة، لا يعود إلى أسباب اقتصادية، وإنما إلى عدم استقرار الوضع السياسي الداخلي أو الإقليمي.
وتضيف لـ "الاقتصادية"، أن "الأداء الاقتصادي لمعظم الاقتصادات الناشئة قد يكون مميزا، لكن هذا لم يترافق مع استقرار سياسي ملموس، فاتساع الأزمة في شبه الجزيرة الكورية، يوفر حالة من القلق لدى المستثمرين في كل من كوريا الجنوبية والصين وفيتنام والفلبين وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وتايلاند، كما أن أحد أبرز الاقتصادات الناشئة مثل تركيا تواجه تحديات داخلية، في ظل تفاقم المشكلة الكردية، والتدخل العسكري التركي في شمال سورية، كما أن البرازيل هى الأخرى نموذج أيضا لعدم الاستقرار السياسي الداخلي، وتلك الأزمات السياسية سيؤدي التأخر في حلها أو العجز عن إيجاد حل جذري ودائم لها، إلى شكوك حول قدرة عديد من الاقتصادات الرائدة على مواصلة معدلات النمو الراهنة".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية