FINANCIAL TIMES

مصير اللغة الفرنسية الفشل في الحرب العالمية الناعمة

مصير اللغة الفرنسية الفشل في الحرب العالمية الناعمة

قال عمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، في خطاب له أخيراً في بوركينا فاسو: "ستصبح اللغة الفرنسية اللغة الأولى في إفريقيا، ولربما في العالم حتى، إن باشرنا أداء دورنا بشكل صحيح، خلال العقود المقبلة".
هذا وهم فرنسي موجود منذ زمن بعيد: أن اللغة الفرنسية يمكنها إلى حد ما مقارعة أو حتى تجاوز اللغة الإنجليزية، باعتبار الأولى اللغة المفضلة أو السائدة في العالم، وقد لا يكون من جديد في ذلك، سوى اعتقاد ماكرون، الرئيس الشاب، أنه يعرف كيفية تحقيق ذلك الحلم الذي سيطول انتظاره.
يرى ماكرون أن هنالك عائدا ديموغرافيا من استخدام الفرنسية، حيث إن 70 في المائة من الشعوب في إفريقيا هم دون سن الثلاثين ، وأن نمو عدد سكان القارة سيكون هائلا، وعدد الذين يتكلمون اللغة الفرنسية، لأسباب ثقافية استعمارية في القارة هذه وفي غيرها، سيتضاعف كثيرا، وفق تصوره.
على أن عدد الذين يتكلمون اللغة الإنجليزية سيتضاعف أيضاً ولنفس الأسباب، وبالتالي قطعاً بنسب أكبر من تلك التي ستحظى بها الفرنسية.
ماكرون لديه مجموعة من الأفكار التي تستهدف جعل اللغة الفرنسية أكثر جاذبية: برامج تبادل الطلاب، وشراكات بين المتاحف، ومتطوعون فرنسيون يعملون في شركات إفريقية، وتأسيس مراكز ثقافية وشبابية في واجاداجو، عاصمة بوركينا فاسو، كمثال قابل للنشر في عواصم أخرى، مهمته استضافة الباحثين والشركات الناشئة.
بالطبع، سيفشل طموحه في جعل اللغة الفرنسية لغة عالمية. أحد الأسباب هي أن هذا الطموح لا يأخذ في اعتباره التاريخ. لو كان كل ما تحتاج إليه اللغة لتصبح لغة عالمية هو التصميم الحكومي، لكانت فرنسا قد تفوقت على اللغة الإنجليزية، قبل قرن من الزمان.
في أيام الاستعمار، حاول الفرنسيون جاهدين فرض لغتهم على إمبراطوريتهم.
وعلى حد عبارة أحد مؤرخي اللغة الفرنسية في إفريقيا - التي وردت كشاهد إثبات في كتاب نكونكو كاموانجامالو بعنوان: "سياسة واقتصاديات اللغة: مسألة اللغة في إفريقيا"، في معرض حديثه عن السياسة الاستعمارية لفرنسا: "دائما ما كان الاعتقاد الأساسي لدى الفرنسيين، هو أن هنالك ثقافة صحيحة واحدة فقط في العالم، وأن واجبهم هو قيادة جميع الناس نحو تلك الثقافة". في المدارس الاستعمارية الفرنسية، كان الأطفال يتعلمون اللغة الفرنسية.
لم يكن البريطانيون، خلال الجزء الأكبر من التاريخ، يهتمون أقل اهتمام باللغة التي يتحدث بها الآخرون. كان توفير التعليم في الإمبراطورية البريطانية متقطعا. عندما كان موظفو الخدمة المدنية الإمبريالية يقدمون فعلا التدريس باللغة الإنجليزية، غالبا ما كانوا يتوصلون إلى أنها فكرة سيئة، لأنها تُعطي الشعوب المستعمَرة طموحات تفوق مكانتهم.
في كتابه "اللغة الإنجليزية وخطابات الاستعمار"، يروي ألاستير بينيكوك عن مفتش في مدارس ماليزيا، في العهد الاستعماري قوله: "في الوقت الذي يكون فيه الطلبة الذين يحصلون على معرفة باللغة الإنجليزية باستمرار، غير مستعدين لكسب رزقهم من خلال العمل اليدوي، ستكون النتيجة الفورية المترتبة على تقديم التعليم باللغة الإنجليزية لأي عدد كبير من السكان، هي إيجاد طبقة من الساخطين".
اتخذت السياسة البريطانية بشكل عام فكرة أن السكان المحليين الذين هم بحاجة إلى التحدث باللغة الإنجليزية، نخبة صغيرة الحجم لتحتل مناصب في مجال الخدمة المدنية المحلية، وهو ما أسماه المؤرخ ثوماس بابينجتون ماكولي: "طبقة من المترجمين الشفويين يتولون إدارة التواصل ما بيننا وبين الملايين الذين نحكمهم".
كانت مهمة التعليم في الإمبراطورية البريطانية إلى حد كبير متروكة للمبشرين، الذين عادة ما كانوا يظنون أن السبيل الأكثر فعالية لنشر المسيحية هي من خلال اللغة المحلية، وليس من خلال اللغة الإنجليزية. ولم تكن اللغة الإنجليزية تستخدم إلا في تعليم عدد قليل من الطلبة، ممن بلغوا مراتب عليا من التعليم الثانوي والجامعي.
الضغط لتعلم اللغة الإنجليزية كان يأتي من الأدنى: من أولياء الأمور الذين رأوا أن اللغة هي السبيل ليحقق أبناؤهم التقدم في الحياة.
في القرن التاسع عشر، أنشأ قادة محليون مؤسسات مثل كلية هندو في المقاطعة الاستعمارية كالكوتا، لتقديم تعليم باللغة الإنجليزية ولإثارة اهتمام الآباء الأشد طموحا – وهو ذلك النوع من الآباء الذين لا يزالون يحرصون على تلقي أطفالهم التعيلم باللغة الإنجليزية، على امتداد العالم من تشيلي في أدنى الأرض غرباً إلى الصين في أقصى الشرق.
والواقع أنهم لا يفعلون ذلك لأن حكومة المملكة المتحدة تشجعهم عليه، على الرغم من أن المجلس الثقافي البريطاني يعد اليوم المزود الرائد للدروس باللغة الإنجليزية، بل ينطلقون في ذلك من أن اللغة الإنجليزية هي لغة النجاح الحديثة.
هذا حدث لأن الإمبراطورية البريطانية حققت النجاح كقائد عالمي من خلال مستعمرتها الأكثر نجاحاً في التاريخ، أي الولايات المتحدة التي سيطرت ما بعد الحرب العالمية الثانية على التجارة الدولية، من خلال شركات عملاقة متعددة الجنسيات من بوينج إلى جوجل.
يختار الناس لغة معينة لنفس السبب الذي يدفع اللصوص لسرقة المصارف: لأنها الأماكن التي يوجد فيها المال. قد يكون هنالك أناس يتعلمون اللغة الفرنسية لقبول عرض ماكرون للحصول على فرصة الدراسة في فرنسا، إلا أنه في المقابل، سيكون هنالك عدد أكبر ممن يريدون تعلم اللغة الإنجليزية، ليس فقط للحصول على مؤهلات قيمة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا ونيو زيلندا، بل أيضا من هولندا وألمانيا بل وحتى في الصين، حيث يقدم عدد متزايد من الجامعات مساقات باللغة الإنجليزية.
عندما يتم افتتاح المركز الثقافي والشبابي الذي ينشئه ماكرون في بوركينا فاسو، أتوقع حدوث مفارقة ارتياد كثير من الناس له لاستخدام أجهزة الحاسوب فيه، من أجل تقوية مستوياتهم في إجادة اللغة الإنجليزية لأجل التواصل، على الأقل.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES