FINANCIAL TIMES

نيران ثقافة التستر الصديقة تحاصر صناعة كوريا الجنوبية

نيران ثقافة التستر الصديقة تحاصر صناعة كوريا الجنوبية

عندما يصف يو جونج - ون المصنع في كوريا الجنوبية الذي عمل فيه لمدة عقدين من الزمن، يستحضر صورا جهنمية من الدخان الأسود والمقل الدامعة من الحُرقة.
لا يزال من الممكن تتبع آثار الرصاص والكادميوم في ذلك الشخص المريض الذي يبلغ من العمر 71 عاما بعد مضي 20 عاما على خروجه من شركة هانكوك للإطارات - أكبر شركة لصناعة الإطارات في البلد - بناء على مشورة من الشركة نفسها.
أثبتت التقارير الرسمية وجود آلاف الانتهاكات لقانون سلامة اليد العاملة في مصنع هانكوك، وأكثر من 200 حالة قامت الشركة فيها بالتستر على حوادث صناعية وحالات مرضية.
قضت محكمة في سيئول في آب (أغسطس) الماضي بأن "الشركة مدركة للعلاقة بين إنتاج الإطارات والتعرض للمواد المسرطنة".
أمور مماثلة مثيرة للجدل تتكرر عبر قطاع الشركات في كوريا الجنوبية، حيث تتورط بعض الشركات الرائدة في البلاد مثل شركة سامسونج للإلكترونيات في نزاعات حول سلامة عمالها.
تعاني كوريا الجنوبية واحدا من أعلى معدلات الوفاة الصناعية في البلدان المتقدمة، ومن ثقافة التستر على الحوادث، بحسب ما يقول المشرعون والعمال والخبراء.
تشير القضية إلى مشكلة أخرى في الحوكمة في ذلك البلد الواقع في شرق آسيا، التي تربط بين أكبر مجموعاتها وبين الشركات الغربية التي تستخدمها كموردين لها.
يقول بايك دومايونج، خبير في الصحة العامة لدى جامعة سيئول الوطنية: "مشكلة الحوادث الصناعية في كوريا الجنوبية أكثر خطورة بكثير من سائر البلدان التصنيعية القوية، لأن حقوق العمال وسلامة الأفراد فيها، من المواضيع التي تحتل مرتبة ثانوية بعد التطور الاقتصادي للبلد والتنافسية بين الشركات".
في كوريا الجنوبية، كونها الدعامة الأساسية التقليدية في بناء السفن، وصولا إلى شركات تصنيع أشباه الموصلات المزدهرة، يقع العمال في رابع أكبر اقتصاد في آسيا ضحية للأمراض المهنية بمعدل ينذر بالخطر.
عانى أكثر من 90 ألف عامل في كوريا الجنوبية العام الماضي بعض أشكال الإصابات الصناعية، بما فيها الأمراض، مع وفاة نحو 1800 شخص بسبب الأمراض.
بلغ معدل الوفيات المهنية 10.1 حالة وفاة لكل 100 ألف عامل – وهي من بين النسب الأعلى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية - في عام 2015.
بلغ معدل الوفيات بسبب الحوادث وحدها ست حالات لكل 100 ألف عامل. على سبيل المقارنة، أفادت الولايات المتحدة بوجود معدل تبلغ نسبته 3.3 وأعلنت ألمانيا عن معدل نسبته 1.3 لكل 100 ألف عامل، وفقا لمنظمة العمل الدولية ووزارة العمل الأمريكية.
مع ذلك، أفيدَ بأن معدل الحوادث الصناعية الكلي في كوريا الجنوبية يبلغ 0.49 في المائة فقط لكل 100 عامل، أي أقل بكثير من المعدل في كل من الولايات المتحدة وألمانيا.
وقد أدى ذلك بخبراء اليد العاملة والنشطاء وحتى التقارير الحكومية الرسمية أن تدعي أن الشركات تتستر على الحوادث، لتفادي زيادة مدفوعات التأمين والإضرار بالعلامة التجارية الخاصة بها.
يقول بايك: "معدل الحوادث الصناعية في البلد أقل من 1 في المائة، لكن معدل الوفيات بسبب الحوادث الصناعية أعلى بكثير مما هو في البلدان الأخرى.
تبين الفجوة أن كثيرا من الشركات الكورية يغلب عليها إخفاء الحوادث الصناعية، ولا سيما الصغيرة منها".
يجري الاعتراف بحالات التستر على نطاق واسع في كوريا الجنوبية. في تشرين الأول (أكتوبر)، كشف كيم سام-هوا، مشرع وعضو في لجنة العمل التابعة للجمعية الوطنية، عن 1338 حالة لشركات تخفي حوادثها الصناعية في عام 2016.
تم الإعلان عن شركة هانكوك للإطارات رسميا من قبل وزارة العمل العام الماضي بأنها ثاني أسوأ شركة مخالفة في كوريا الجنوبية لإخفائها الحوادث الصناعية، بعد شركة إيفركوز للمقاولات من الباطن وهي تابعة لشركة إل جي للإلكترونيات.
يقول بارك تشان-إيم، باحث في معهد العمل في كوريا: "يغلب على ظننا أن هنالك كثيرا من حالات التستر، لأن معدل الحوادث الصناعية هنا أقل مما هو في البلدان الأخرى الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن معدل الوفيات أعلى بكثير".
عشرات من زملاء يوو السابقين في شركة هانكوك للإطارات وقعوا ضحية للأمراض المهنية، مثل سرطان الرئتين وأمراض القلب والأوعية الدموية.
مع ذلك، تم الاعتراف رسميا بأربعة عمال فحسب، بمن فيهم يوو، وتعويضهم من قبل الشركة بسبب الصعوبات التي يواجهها هؤلاء، في إثبات ارتباط سببي مباشر بين ظروف العمل والأمراض التي أصيبوا بها.
توصلت عملية فحص شملت 4500 عامل من عمال شركة هانكوك للإطارات إلى وجوب اعتبار نحو النصف منهم بأنهم مرضى - أو من المحتمل أن يصبحوا مرضى قريبا - وفقا لدراسة أجريت في عام 2010 من قبل الوزارة.
يقول وو: "إنها معجزة أنني ما زلت على قيد الحياة. فأنا أتقيأ الكربون الأسود".
يشار إلى أن وو كان يعمل ضمن فريق الإنتاج في الشركة، حيث كان عمله هو خلط المطاط مع مواد كيميائية وغيرها من المواد لصنع الإطارات.
بعد إدخاله إلى المستشفى، شخّص الأطباء حالته بأنه يعاني قائمة طويلة من العلل والأسقام المهنية بما فيها التسمم بالمذيبات العضوية، والاحتشاء الدماغي والاكتئاب.
يقول متحدث رسمي باسم شركة هانكوك إن الشركة لم تخف أية حوادث صناعية منذ عام 2015. ويضيف: "عالجنا وقمنا بحل حالات انتهاك السلامة والحوادث الصناعية المخفية المذكورة من قبل وزارة العمل، ونقوم الآن بالامتثال التام لمعايير وزارة العمل".
تقول تشوي ميونج-سان، مديرة الاتحاد الكوري للنقابات التجارية، إن الشركات تقاوم الاستثمار في السلامة، لأن هنالك القليل من النتائج المترتبة على تشغيل موقع عمل غير آمن.
وتضيف: "الشركات لم تكن خاضعة للعقوبات المناسبة، فإنها لا تبذل أي جهد لوضع تدابير وقائية من أجل الحؤول دون وقوع مثل هذه الحوادث مرة أخرى. وثمة مشكلة أخرى ألا وهي ممارسات التستر واسعة الانتشار".
يجري الآن بذل جهود لإصلاح الوضع وهنالك بوادر مبكرة على أن الأمور آخذة في التحسن، فكل من معدلي الإصابات والوفيات آخذ في التحسن ببطء.
في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، طبقت الحكومة قانونا يجرم التنفيذيين لإخفائهم عن قصد الحوادث الصناعية.
يُجري ممثلو النائب العام الآن تحقيقا في حالة وفاة حصلت في شركة هانكوك للإطارات في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، دفعت الجماعات المدنية إلى رفع قضية على الرئيس التنفيذي للشركة سوه سيونج- هوا.
وأضافت الشركة قائلة: "استثمرت الشركة نحو 60 مليار وون منذ عام 2008 في تحسين بيئة العمل، لكننا نعتقد بأن الإنفاق على سلامة العمال ليس كافيا، وهذا دفعنا لأن نقرر تحسين بيئة العمل بشكل أكبر من خلال استثمارات ذات نطاق واسع، اعتبارا من هذا العام".
مع ذلك، لا يزال العمال غير مقتنعين.
يقول بارك إيونج- يونج، موظف سابق يترأس جماعة تمثل العمال المرضى: "في شركات صناعة الإطارات الأجنبية، معظم مرافق الإنتاج آلية، بالتالي نادرا ما يتعرض العمال لمواد سامة.
شركة هانكوك لم تعمل على تحديث مرافقها الإنتاجية بسبب المخاوف بشأن التكاليف". "درجات الحرارة في المصانع في الصيف يمكن أن تصل إلى 60 درجة مئوية، لكن التهوية ضعيفة".
تقول النقابية السيدة تشوي إن كثيرا من الحوادث الصناعية التي تحصل في البلاد تحدث على مرأى من شركات المقاولات من الباطن، والتي تحافظ على مقاييس سلامة متراخية، ولا تقدم تدريبا يذكر لعمالها.
بالنسبة لبارك، المشكلة أعمق بكثير - حيث إنها تصل إلى محور الثقافة الكورية. ويقول: "تتكرر الحوادث بسبب ثقافة الشركات الهرمية الجامدة، التي تمنع العمال من رفع صوتهم والتعبير عن رأيهم فيما يتعلق بالسلامة".
"الهيكل الصناعي في البلاد أصبح أكثر تطورا، لكن الطريقة التي يتم من خلالها تشغيل المصانع لم تتطور بالقدر نفسه. من الصعب توقع حصول أي تحسن مهم ما لم تتغير ثقافة الشركات والبيئة الاجتماعية،" حسب قوله.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES