FINANCIAL TIMES

ما موضع «صين السوق الاشتراكية» من الإعراب الرأسمالي؟

ما موضع «صين السوق الاشتراكية» من الإعراب الرأسمالي؟

هنالك ثلاث كلمات في بروتوكول مكون من 102 صفحة كانت الصين قد وقعت عليه، عندما وافقت على الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وهي تتحول الآن إلى اختبار حاسم للمنظمة في الأساس، ولربما للصين إلى حد ما: اقتصاد غير سوقي أم سوق غير اقتصادية؟ بالمفهوم الراسخ من قبل.
قبل عام واحد من تاريخ حلت الذكرى الخامسة عشرة لانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية. التاريخ مهم بسبب عبارة صغيرة وردت في بروتوكولات الموافقة، تتناول كيف ينبغي للبلدان أن تقرر ما إذا كانت السلع التي تصدرها الصين في وضع إغراق بشكل غير عادل. تقول العبارة: "على أية حال، ستنتهي صلاحية الأحكام، التي تسمح للمتنازعين في المجال التجاري التعامل مع الصين على أنها اقتصاد غير سوقي، في غضون 15 عاما بعد تاريخ الانضمام".
في السنة التالية لتاريخ انتهاء الصلاحية، اندلعت معركة بين عدد من اللاعبين حول ما إذا كان ينبغي على أوروبا والولايات المتحدة، احترام ما تعتبره بكين ميزة لها في الوقت الذي تقول فيه البلدان الأخرى، إن الصين لم تف بالتزاماتها.
دعونا نعود أولا إلى فترة التسعينيات. في ذلك الوقت، كان السؤال بالنسبة للمفاوضين الأمريكيين والأوروبيين هو: كيف يمكن لأي شخص معرفة ما إذا كان المصدرون الصينيون يقومون بإغراق السلع في أسواق أخرى؟
المقياس العادي هو ما إذا كان يتم بيع السلع بتكلفة أقل من تكلفة إنتاجها - بمعنى آخر، أن يتم بيعها دون تحقيق أي ربح.
ذلك المعيار كان من المستحيل تطبيقه على الاقتصادات المركزية في الكتلة السوفياتية، فقد يتسم بالافتقار إلى أسعار طبيعية في أسواقه المحلية، بالمفهوم الرأسمالي.
لذلك يمكن قياس سلع مشتبه بأنها تتعرض للإغراق من قبل اقتصادات غير سوقية، مع سلع في اقتصادات أخرى ذات مستويات تطور مماثلة نوعا ما، لنرى ما إذا كان السعر عادلا أم لا؟
عندما وافقت الصين على الانضمام، تفهم مفاوضوها بأن مفهوم "اقتصاد السوق" يشير إلى بلد يخلو من وجود ضوابط على الأسعار.
وهنالك بعض المؤشرات التي تشير إلى أن المفاوضين الأجانب فهموا ذلك أيضا.
على أية حال، كانوا يركزون اهتمامهم على إفساح المجال لإمكانية الوصول إلى السوق الصينية للسلع المنتجة من قبل الشركات الأجنبية.
ثم أصبحت الآن مسألة ما إذا كان يجب منح الصين مكانة الاقتصاد السوقي، دلالة على مشاعر الإحباط من الهيكل الاقتصادي الكلي للصين، وبمثابة عذر لتعريض مفهوم منظمة التجارة العالمية برمته للتساؤل.
بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، أصبحت المكانة "غير السوقية" بسرعة بمثابة عيب فيها.
مع اندفاع الاستثمارات والتنافسية في كل صناعة، نشط المنتجون الصينيون في كل مجال من الصلب إلى الأحذية وصولا إلى الفيتامينات، ودفعوا بسرعة هوامش الربح المحلية إلى الأدنى بشكل كبير.
وأصبح التصدير وسيلة للحصول على أسعار أعلى في الخارج. على العكس من الإغراق، كان المصدرون الصينيون يتطلعون إلى تحقيق الربح، إلا أن الأسعار التي كانوا يبيعون بها كانت أقل بكثير من الأسعار في معظم البلدان الأخرى، فعاث الفساد في هوامش ربح المنتجين الدوليين، وأدى إلى شكاوى لا تحصى من جانب منظمة التجارة العالمية.
لم يكن بإمكان أي بلد ثالث تكرار مثل هذا الحجم من نمط تكاليف العمالة المنخفضة والمنافسة المحتدمة في السوق الصينية.
شركاء الصين التجاريين استخدموا العبارة لفرض رسوم جمركية عالية بشكل غير معقول، والتي غالبا ما تتجاوز 100 في المائة، على صادراتها.
لهذا السبب يصمم المفاوضون الصينيون على إرغام الأوروبيين والأمريكيين على الاعتراف بالصين كـ"اقتصاد للسوق".
تركزت المعركة على أوروبا التي تحتاج إلى إجراء تغيير قانوني. في حركة تقوم على خفة اليد، تخلص الأوروبيون من فئة "الاقتصادات غير السوقية" بأكملها في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهو ما قدم ميزة إيجابية غير متوقعة لفيتنام وألبانيا ومنغوليا وتركمنستان، لكنه يحتفظ بالحق لإجراء مقارنة مع بلد ثالث على أساس التعامل مع كل حالة بشكل منفرد.
لا يتعين على الولايات المتحدة تغيير أي قانون. إن عليها الامتناع في المستقبل عن مقارنة البضائع الصينية ببضائع بلد ثالث، عندما تقرر ما إذا كان قد تعرضت سوقها للإغراق من قبل الصين.
الصين طلبت مشاورات من جانب منظمة التجارة العالمية، إضافة إلى مشاورات الولايات المتحدة أيضا، ما أدى إلى قيام محامي واشنطن برد سلبي بقوة والادعاء بأن قوانين المنظمة تقف إلى جانبهم. الرد يوضح تماما بأن هذه القضية لم تعد تدور حول التسعير، بل تتعلق بكافة السبل التي تبين اختلاف الاقتصاد الصيني عن نظيره الأمريكي.
ويشعر المفاوضون الأوروبيون والأمريكيون بأن الصين لم تصبح، ولو من بعيد، اقتصادا سوقيا.
والميزات الخفية الممنوحة للاعبين المحليين خاصة الشركات المملوكة للدولة، تشتمل على التمويل الرخيص، والقواعد التمييزية ومحاولات بكين لتدمير القيمة من حيث تشجيع الصناعات الجديدة.
على مدى سنوات عديدة، كانت إدارة أوباما تقيم حججا بطيئة ومتأنية لدى منظمة التجارة العالمية ضد الإعانات الخفية المتعلقة بالأراضي والمياه وأسعار الفائدة، التي تمنحها بكين لشركاتها المملوكة للدولة وشركاتها الأكبر حجما والأكثر تفضيلا في القطاع الخاص.
يقول أحد المفاوضين الصينيين: "لقد تمكنوا منا".
على الرغم من الطعون الشديدة المقدمة من قبل فريق وزارة التجارة الصينية المتمرس في قوانين المنظمة، رحب بعض المصلحين الصينيين سرا باعتبارها عصا لفرض إصلاحات هيكلية أكثر صرامة، على الأعداء المحليين المتمردين.
استغنت إدارة ترمب عن النهج المتأني المتبع في إدارة أوباما وقذفت به بعيدا. بدلا من اختيار القضايا التي ربما تؤدي إلى إجراء إصلاحات هيكلية في الصين، ركزت على بنود معينة تصل إلى الشواطئ الأمريكية بكميات كبيرة.
وهذه محاولة لرفع جدران الحاجز المنيع، خطوة بخطوة، بدلا من محاربة الطوفان من مصدره، والتعرض لخطر الانجراف بعيدا.
هذا من شأنه أن يجعل مكانة الاقتصاد السوقي في حالة من الفوضى. قد يعترض المحامون، لكن العبارة الحرفية "في أي حال" واضحة تماما.
وبالتالي فإن المجادلة ضدها تجعل الغرب يبدو كما لو أنه وقّع على اتفاق منظمة التجارة العالمية، وغيرها من الاتفاقيات، بسوء نية.
المصلحون الصينيون، الذين علقوا آمالهم من أجل بلادهم على إنشاء اقتصاد متكامل عالميا، يحتاجون إلى إبرام اتفاقيات دولية للحصول على المصداقية.
خلافا لذلك، فإنهم يقدمون الحافز للنوعيات المتعصبة في الصين، والتي تعتقد أن المؤسسات الدولية هدفها فقط إبقاء الصين في حالة من التراجع.
مع ذلك كله، من الواضح أن الصين ليست اقتصاد سوق بما تعنيه "المنافسة السوقية". على سبيل المثال، تعطي بكين الأولوية لمصالح شركاتها المملوكة للدولة، وليس للشركات الأجنبية والصينية الخاصة.
منح لقب مكانة الاقتصاد السوقي يبدو أنه أمر لا يمكن تبريره للشركات التجارية والعمال، الذين يرون أن الأرباح والفرص الوظيفية تتضرر، عندما تصل البضائع الصينية الرخيصة إلى بلادهم.
كما أن رفض هذا اللقب هو أمر مخادع أيضا. أولا، غالبا ما يشتمل "طوفان" البضائع الرخيصة التي تحمل عبارة "صنع في الصين" على منتجات لمشاريع مشتركة من قبل شركات متعددة الجنسيات، قامت بنقل إنتاجها إلى الصين.
وبما أن جميع الشركات الصينية، المملوكة للدولة والخاصة، تصدر بعيدا عن أسواقها المحلية ذات المستوى التنافسي المرتفع جدا من أجل تأمين الأرباح، يتبين في معظم الأحيان من مقارنة أسعار الصادرات الصينية بأسعار البضائع الصينية المحلية، أن المنتجات لم يتم إغراقها.
وهنالك العوامل السياسية في الولايات المتحدة. قضاة منظمة التجارة العالمية يدركون تماما أن إدارة ترمب تتطلع فقط للحصول على حكم "فاحش" واحد لتبرير انسحابها من منظمة التجارة العالمية.
ربما يتردد القضاة في تقديم حكم من هذا النوع، بصرف النظر عن سلامة الحجة الصينية، التي تقول إنها في الواقع انتقلت من اقتصاد مركزي على الطراز السوفياتي إلى اقتصاد قائم على أسعار السوق، وإن لم يكن قائما على التنافس السوقي.
يقول أحد المفاوضين التجاريين الغربيين: "أصبح الموضوع مشكلة سياسية، وبالتالي فهو بحاجة إلى حل سياسي".
بيد أن هناك موضوعاً أكثر أهمية، وهو أن معظم الشكاوى حول الاقتصاد الصيني، وللإنصاف نقول أيضا إن شكاوى البلدان الأخرى حول خيارات واشنطن الاقتصادية غير السليمة، تتجاوز كثيرا مواضيع التجارة والرسوم الجمركية بحد ذاتها.
منظمة التجارة العالمية منتدى غير مناسب للمجادلة بشأن المواضيع الهيكلية الكبرى في الاقتصادات الرئيسة، ويبقى أن المشكلة في أنه ليس هناك خيار آخر، ألبتة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES