Author

مدى قدرة المجتمعات على التصدي للكوارث «1 من 2»

|

لماذا تنجح بعض المجتمعات في استعادة عافيتها في أعقاب الكوارث، في حين ينهار بعضها الآخر؟
يكمن الاختبار الحقيقي للتعاضد في أي مجتمع في طريقة استجابته للكوارث. فعند مواجهة الأزمات، تعمل المجتمعات المتماسكة جنبا إلى جنب، وتقوم بتقديم المساعدة عند الحاجة، في حين يركز الأشخاص الذين يعدون جيرانا بالاسم فقط على مصلحتهم الشخصية؛ لذا يعتبر التماسك الاجتماعي أحد العوامل الرئيسة لمرونة المجتمعات المحلية وقدرتها على الصمود.
ما ركائز التماسك الاجتماعي؟ وجدت خلال بحوث سابقة، أن المصارف المحلية خلال الأزمة المالية في الولايات المتحدة عام 1907، استفادت كثيرا من طريقة تعامل مجتمعاتها مع أزمات مماثلة قبل 14 عاما. على وجه التحديد، المصارف التي لجأت في 1893 إلى المصارف الأخرى للحصول على الدعم عقب الأزمات؛ أولئك الذين لم يضعوا ثقتهم بمجتمعاتهم بشكل كاف لإصدار سندات دين. بالنتيجة، ألقت تلك الأزمات، على الرغم من ندرتها، بظلالها فترة طويلة، مغيرة ديناميكيات المجتمع بطرق قد لا تكون واضحة حينها، لتظهر في الأزمات اللاحقة.
بعبارة أخرى، تتأثر قدرة المجتمعات على الصمود في يومنا هذا بالأزمات والكوارث التي حدثت في الماضي، التي يمتد تأثيرها أحيانا أجيالا أخرى. توصلت في ورقة عمل، شاركني في تأليفها هاياجريفا راو من جامعة ستانفورد ستنشر لاحقا في مجلة أكاديمية الإدارة، إلى أن تأثير الأزمات في المجتمعات لا يكون بالوتيرة نفسها، فإضافة إلى حجم الكارثة، بحسب منشئها تترتب الآثار النهائية لها.

الإنفلونزا الإسبانية
عند دراسة التأثير المدمر لوباء الإنفلونزا الإسبانية في 1918 ــ 1919 في المجتمعات الريفية في النرويج، اخترنا مكانا بعينه كون تأثير الوباء فيه كان أقل من المعدل، خسارة 0.6 في المائة من مجموع السكان، في حين كان المعدل 5 في المائة من مجموع سكان العالم.
من المؤكد تأثرت تلك المجتمعات بشدة حينها، ولكنها لم تصب بالشلل. كانت هذه الكارثة بالنسبة للنرويجيين ليست بالأمر الجديد، وقد تكون الأقل تأثيرا ضمن سلسلة الأزمات التي تعرضت لها النرويج على مر الزمن.
استطعنا - بالاعتماد على البيانات المحلية التي حصلنا عليها من جمعية تعاونية في النرويج - قياس مدى التماسك الاجتماعي للمجتمعات المحلية، وبالتالي قدرتها على الصمود على مدار عقود. بدأت تعاونيات التجزئة بالظهور في الريف النرويجي في سبعينيات القرن الـ19، عندما حاول المزارعون كسر جشع التجار حينها. وعلى الرغم من قوة الاقتصاد التشاركي في النرويج اليوم الذي يعد مسؤولا عن ربع مبيعات البقالة، إلا أن بداياته لم تكن مضمونة، لأسباب أقلها المقاومة الشرسة للتجار. وفي العقود الأولى كانت المجتمعات الزراعية التي تضم عددا كبيرا من التعاونيات، تميل إلى تكوين روابط اجتماعية قوية، وقدرة عالية على العمل الجماعي، لذلك فإن تشكيل التعاونيات يشير إلى قدرة المجتمعات المحلية على الصمود خلال تلك الفترة.

إنشرها