FINANCIAL TIMES

أسباب فشل التراضي التجاري بعد خلع لندن لبروكسل

أسباب فشل التراضي التجاري بعد خلع لندن لبروكسل

السبب الرئيس الذي أدى إلى إحباط اتفاق تيريزا ماي مع مفاوضي الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين قبل الماضي، أنها تركت الدوائر الانتخابية التي تعتمد عليها على استعداد غير كاف لما كان في الطريق.
الإجماع، بدوره، سوف يكون من الصعب تحقيقه إلا حين يمتلك جميع الأطراف الحقائق بشأن ما يمكن تحقيقه فعليا في الاقتصاد العالمي.
لن تتم مواجهة المقايضة بين الأهداف المختلفة لدى الذين يريدون أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا حين يعترف الجميع بأنها موجودة.
لذلك، في الوقت الذي يقترب فيه الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق قبل اجتماع المجلس الأوروبي هذا الشهر، لا بد من استعراض بعض الحقائق الأساسية:
أولا: بعض الناس في بريطانيا لا يزالون يشيرون إلى أنه بمقدور بريطانيا أن تمتنع ببساطة عن إنشاء حدود اقتصادية مع جمهورية إيرلندا وبقية الاتحاد الأوروبي، كما يرجو البعض، استنادا إلى سابقة تاريخية، بعد استعادة زمام الأمر من خلال الخروج من أنظمة الجمارك والأجهزة التنظيمية في الاتحاد الأوروبي.
الفكرة تنشأ على أساس تحدي الجانب الأوروبي لترى إن كان يجرؤ - كما تقول الحجة - على إنشاء حدود لن تكون مناسبة في أحسن الأحوال، وتسمح لبريطانيا، كحد أدنى، بإلقاء اللوم على الأوروبيين.
هذا دليل على الجهل. زميلي ألان بيتي بيَّن السبب في ذلك: بريطانيا، باعتبارها عضوا في منظمة التجارة العالمية، ملزمة قانونا بألا تعامل الاتحاد الأوروبي بشكل أفضل مما تعامل به جميع الأعضاء الآخرين في المنظمة – وهو ما ينطوي على فرض رسوم جمركية – في غياب اتفاقية حول التجارة الحرة.
وحتى في حال وجود اتفاقية للتجارة الحرة، ستظل على بريطانيا التزامات قانونية دولية من أجل إنفاذ قواعد تنظيمية أخرى مختلفة على الحدود. الوهم القائم على أن "كل ما علينا أن نفعل هو ألا ننشئ حدودا"، يفترض مسبقا أن بريطانيا هي مواطن عالمي مارق.
ثانياً: عدد كبير فوق الحد من الساسة البريطانيين لا يبدو أنهم يعلمون الوظيفة التي تقوم بها الحدود الاقتصادية. لذلك دعونا نبين تفاصيل الموضوع. حين تعبر السلع أحد الحدود الدولية، لا بد من إنفاذ ثلاثة أمور: تحصيل رسوم جمركية على الواردات أو الالتزام بحصص الاستيراد. الالتزام بقواعد المنشأ، التي تشتمل على منع البضائع من بلد ثالث من أن تُموَّه على أنها من إنتاج الشركاء التجاريين، حين يعامَل الشركاء التجاريون بقدر أكبر من التساهل. ثم إنفاذ المعايير، مثل الأنظمة الخاصة بالمواد الغذائية، التي لا بد من الوفاء بها، حتى تكون المنتجات قانونية في البلد الذي تدخله.
اتفاقية التجارة الحرة تتولى إنفاذ الأمر الأول، من خلال إلغاء الرسوم الجمركية بين الشركاء التجاريين. والاتحاد الجمركي يتولى إنفاذ الأمر الثاني، من خلال الاتفاق على فرض الرسوم الجمركية نفسها على بلدان الطرف الثالث، حتى لا تكون هناك حاجة إلى التأكد من قواعد المنشأ بمجرد أن تصبح السلع داخل الاتحاد الجمركي.
أما الاتحاد التنظيمي فيتولى الأمر الثالث، فحين تكون القواعد هي نفسها في البلدين، لن تكون هناك ضرورة للتأكد من الالتزام بالمعايير، حين تعبر السلع حدود بلد معين.
سياسة بريطانيا في الوقت الحاضر هي التفاوض على اتفاقية للتجارة الحرة، مع الخروج من الاتحاد الجمركي والاتحاد التنظيمي مع الاتحاد الأوروبي، أي ما يعرف بالسوق الموحدة.
لا يمكنك إلغاء الحاجة إلى حدود اقتصادية، مع الضوابط، إلا في حال توافرت لك الأمور الثلاثة جميعا.
وهذا يفترض منطقة سفر بدون تأشيرات أو جوازات، والتي بدونها سوف تدعو الحاجة إلى التدقيق على الناس الذين يعبرون الحدود.
ثالثا: هذا يعني أن من الخطأ التفكير بأن الحدود بين النرويج والسويد أو بين سويسرا والاتحاد الأوروبي ستسمح بالتجارة بدون قيود. النرويج عضو في اتفاقية للتجارة الحرة، وعضو في اتحاد تنظيمي مع الاتحاد الأوروبي، من خلال المنطقة الاقتصادية الأوروبية، التي تجمع بين الاثنين. إلا أنها في الوقت نفسه، ليست عضوا في الاتحاد الجمركي، بالتالي لا بد من التأكد من التزامها بقواعد المنشأ.
ومن أجل ذلك لا بد من وجود بنية تحتية لحدود فعلية. سويسرا ليست عضوا في المنطقة الاقتصادية الأوروبية، لكنها من الناحية العملية توفق بين أنظمتها وبين أنظمة الاتحاد الأوروبي، وبالتالي هي في وضع مماثل.
(النرويج وسويسرا كلاهما من أعضاء منطقة الشنجن للتنقل بدون جواز سفر). تدار الحدود السويسرية والنرويجية بأقصى قدر ممكن من الكفاءة، لكن الكفاءة (بالنظر إلى الحاجة إلى التدقيق) ليست الشيء نفسه مثل عدم وجود القيود، الذي يعني عدم وجود تدقيق.
العمود الأخير لزميلي كريس جايلز يتحدث بشكل ساحر عن تجربته الشخصية للنشاط الاقتصادي عبر الحدود السويسرية - الفرنسية، ويوضح التكاليف الاقتصادية التي تفرضها حتى هذه الضوابط الحدودية التي تتمتع بأقصى قدر ممكن من الكفاءة – كما نرى، على سبيل المثال، في الفرق الواسع بين أسعار استئجار السيارات في القسمين السويسري والفرنسي من مطار جنيف.
لا يوجد شيء من هذا بدون قيود، ناهيك عن عدم وجود بنية تحتية للحدود الفعلية، التي وعدت بريطانيا بأنها تريد تجنبها على طول حدودها مع جمهورية إيرلندا.
رابعا، فوق كل ما تقدم، دعنا نضيف أن الوعد بالتوافق الجمركي والتنظيمي في بعض القطاعات فحسب لن يكون مجديا: لأنه في هذه الحالة لا بد من وجود نقاط تفتيش على الحدود، لتقرير ما إذا كانت السلع المنقولة واقعة تحت القطاع الذي ينطبق عليه التوافق أم لا.
وهذا هو السبب في أنه إذا سمحت بريطانيا لإيرلندا الشمالية ببعض التوافق التنظيمي والجمركي مع الاتحاد الأوروبي، فإن هذا يتطلب أن تسمح لها بالتوافق على كل شيء.
هذه ببساطة حقائق حول العالم الواقعي. وكما يشير كيفن أورورك، هذا ما يؤيده التاريخ البريطاني الإيرلندي. لقد أصبحت نقاط الحدود غير ضرورية بين الدولتين على جزيرة إيرلندا، إلا حين أنشأ الاتحاد الأوروبي السوق الموحدة - وهي مجموعة كريهة جداً من الأنظمة المتوافقة - ومحكمة مشتركة لإنفاذها.
فهم هذه الحقائق ومعرفة هذا التاريخ يوضح الفكرة التالية: هناك تناقض منطقي في قلب السياسة البريطانية.
من غير الممكن استعادة زمام الأمر، بالمعنى الذي تريده الحكومة البريطانية، إلا من خلال امتلاك الضوابط التي لا تزال الحكومة البريطانية تصر على أنها قد تخلت عنها.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES