Author

«حساب المواطن» .. تحقيق الأولويات وجني الأهداف

|

تواصل المملكة العمل على الإصلاحات الاقتصادية، حيث من المتوقع أن تشهد السنة المالية الجديدة تحولات كبيرة في المالية العامة من حيث تنوع مصادر الدخل، وسيبدأ تطبيق ضريبة القيمة المضافة، كما سيتم تطبيق رفع رسوم الطاقة، وذلك بغية الوصول بمستوى الأسعار إلى المستويات العالمية لها، وهذه التعديلات مهمة جدا لإيجاد وصنع نوع من الاستدامة للاقتصاد، رغم ما قد توحيه من آثار مؤلمة قصيرة المدى على المواطن خاصة في بدايات التطبيق، ولأن حكومة السعودية لم تزل تعطي الألوية للمواطن في اهتمامها فقد أعلن أمس مجلس الوزراء عن اعتماد سياسات برنامج "حساب المواطن"، وتمت جدولة صرف مبالغ الدعم للمستحقين في اليوم العاشر من كل شهر ميلادي ابتداءً من دورة الدفع الثانية في شهر يناير 2018م. وكما أشير إليه أكثر من مرة فإن الهدف الأساسي من هذا البرنامج هو تخفيف الآثار المحتملة المباشرة وغير المباشرة من الإصلاحات الاقتصادية، فهو برنامج للدعم لكنه دعم موجه للفئات المستحقة له مباشرة، وهذا على خلاف ما كان يحدث سابقا من دعم غير مباشر للأسعار والسلع، فهذا النوع الأخير من الدعم كان يسبب مشاكل عديدة في التجارة الدولية وأيضا يتسبب في هدر الإنفاق، ولا يصل إلى مستحقيه غالبا، فالمستفيد النهائي من الدعم لم يكن على أفضل الأحوال هو المستهدف المقصود، ولذا فإن برنامج حساب المواطن يهتم أساسا باستمرار الدعم وليس إيقافه؛ فالدعم النقدي المباشر في حساب المواطن المستحق يغطي تلك الزيادة في التكلفة الناتجة عن تصحيح أسعار الكهرباء والبنزين، وعن تطبيق ضريبة القيمة المضافة على السلع الغذائية والمشروبات، لكن الفرق الآن أن هذا الدعم لا يمس الأسعار مباشرة ولا السلع ولا قواعد المنافسة العالمية.
ولأن سياسات البرنامج قد اشترطت أن يكون المستفيد سعودي الجنسية، فالوافد ليس مستحقا للدعم؛ ولهذا فمن المتوقع أن تكون الآثار الاقتصادية على سوق العمل واضحة جدا، ومن أول أيام التطبيق لهذا البرنامج جنبا إلى جنب باقي الحزم الإصلاحية للأسعار، فهي في مجملها تجعل تكلفة المعيشة التي يواجهها المواطن والعامل الوافد سواء، وهذا لم يكن متحققا في الغالب، فالظروف الاجتماعية التي يواجهها المواطن تتطلب منه مستويات إنفاق غير تلك التي يواجهها العامل الأجنبي، وهذا منح العامل الأجنبي مزايا نسبية في تحديد الراتب وساعات العمل، لهذا فإنه من المتوقع حدوث إصلاحات أساسية في هيكل رواتب العمال الأجانب نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة مع بقاء رواتب العمال السعوديين عند مستويات العرض الحالية، وهذا سيدفع بمزيد من المؤسسات إلى توظيف السعودي لتجنب رسوم العمالة الأخرى.
ومن الواضح جدا أن الإصلاحات التي تعمل عليها حكومة خادم الحرمين الشريفين تمثل مرحلة تاريخية في المملكة، فالحكومة جادة في تحقيق توزان مالي والمضي قدما في هذا البرنامج، وتعمل أيضا، في الوقت نفسه على معالجة مشاكل هيكلية عميقة في الإنفاق الحكومي، لا من حيث التوزيع غير العادل للإنفاق فحسب، بل حتى من حيث الهدر الواضح فيه، فالمحاسبة والمساءلة اليوم تصلان إلى الجميع، ومكافحة الفساد أصبحت ثقافة عامة، وأيضا هناك عمل دؤوب على إصلاح ما فسد من سلوك المجتمع نحو الخدمات الحكومية والاستخدام الجائر للسلع، والمظاهر التي سادت من هدر للإنفاق، كما أن المملكة تعمل بجهد على تمكين المواطن من مقدرات الاقتصاد؛ فإصلاحات سوق العمل واضحة للعيان، وهي إصلاحات مباشرة، وخادم الحرمين الشريفين حريص على أبناء شعبه، فهذه الإصلاحات يجب أن تمر بهدوء وسلاسة، بحيث لا تؤثر في قدرة المجتمع على الإنفاق، وإن كانت ستحسن من سلوكه الاستهلاكي خاصة للكهرباء والمياه، فبرنامج حساب المواطن هو برنامج شمولي، إن كان ظاهره برنامجا للدعم الموجه فهو اقتصادي من جانب دعمه للقدرة الشرائية للمواطن؛ فلا تتأثر الحركة الاقتصادية الكلية، كما أنه داعم للإصلاحات في سوق العمل، ومن جانب آخر فهو ذو آثار اجتماعية بارزة.

إنشرها