Author

نهاية 3 سنوات مريرة

|
استوقفني مقطع صغير في حوار قديم مع الراحل الدكتور مصطفى محمود. يتناول المقطع باختصار تعرضه لأزمة صحية خلال دراسته للطب ألزمته الفراش لمدة ثلاث سنوات. فقد عانى الراحل نفسيا أكثر منه جسديا خلال بداية مرضه كون زملائه سيتجاوزونه وسيخسر ثلاث سنوات من عمره. بعد أن رضخ لمرضه وبات أسيرا للسرير لم يجد خيارا سوى القراءة. قرأ كثيرا من الأدب الروسي والأمريكي والفرنسي والإنجليزي. مرت السنوات الثلاث سريعة وخاطفة. لكن سرعان ما عاد الألم النفسي ليسكنه ويملأه بعد أن رجع إلى مقاعد الدراسة بينما رفاقه على مشارف التخرج. كان المشهد مؤلما لشاب اعتاد أن يكون في الصدارة. ظل يتحاشى الالتقاء بهم وحتى العبور بجوارهم لكيلا يذكرونه بالخسارة المريرة التي تعرض لها. بعد سنوات تجاوز الطبيب والمفكر مصطفى محمود أزمته مع تلك السنوات الثلاث، بل تغير موقفه منها تماما. يقول، "شعرت أنها أهم ثلاث سنوات في عمري. كانت أكبر ربح لي. صنعت مني هذا الشخص المشغول بالأسئلة والمحب للفكر والأدب". إن الابتلاءات التي نعيشها رغم قسوتها ومرارتها إلا أنها تربينا وتعيد تشكيلنا وتجعلنا أفضل بكثير. لا ندرك حجم أثرها إلا بعد رحيلها بسنوات. فمعظم زملاء الدكتور مصطفى محمود الذين تخرجوا قبله بثلاث سنوات لم يحققوا ربع ما حققه. لقد قدم لمكتبتنا التلفزيونية أكثر من 400 حلقة من برنامجه الشهير (العلم والإيمان) الذي امتاز بالعمق والبساطة معا. وألف 89 كتابا في العلوم والفلسفة والطب والاجتماع. وكما قال سبحانه وتعالى (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم). لا أحد منا يحب المعاناة. لكنها ستنقشع عاجلا أم آجلا وسنتذكر أنها قدمت لنا خدمة تثرينا وتغنينا. المهم ألا نظل أسرى لها. نستمد قوتنا منها ونمضي. علينا أن نسترجعها كوقود ولا نجعلها نقطة سوداء نتبرأ منها. بيدنا أن نجعل همومنا قصص نجاح نرويها للناس أم وصمة عار نحاول أن نخفيها. نحن وحدنا من يقرر كيف نتعامل مع تحدياتنا. تخمدنا أم تشعلنا. وأحسب أننا جميعا جديرون بالنور والضوء والبريق.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها