Author

تكاليف الحرب على الإرهاب .. ترهق الميزانيات

|
لا أحد ينكر أن حروب الإرهاب التي تشتعل في منطقتنا العربية بضراوة هذه الأيام باتت تستنزف ميزانيات الدول التي ابتليت بهذا الداء المؤلم والمكلف. إن دولا مثل مصر، واليمن، وسورية، ولبنان، والعراق، وليبيا وغيرها من الدول خصصت أموالا طائلة لمواجهة حروب الإرهاب التي أعاقت تنفيذ مشاريع التنمية التي كانت تستهدف رفع مستوى معيشة مواطنيها وتحسين أحوالهم الاقتصادية. وإذا تحسسنا أسباب اندلاع حروب الإرهاب في كل مكان من وطننا العربي الكبير نلاحظ أن الحرب على الإرهاب، إنما هي إفراز طبيعي لنظرية الكراهية التي صمم بنودها ودعا لها برنارد لويس الموصوم بأنه صاحب ملف إعلان الحرب ضد الإسلام والمسلمين. لقد استغل برنارد لويس أحداث التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) وطالب الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بإعلان الحرب الصليبية على العرب والمسلمين في كل أنحاء العالم ويرى لويس أن المسلمين إرهابيون لا يستحقون العيش بسلام وعلى الغرب أن يجيش الجيوش لتقسيم وتفتيت الدول العربية وفتح الطريق أمام مشروع إسرائيل الكبرى على الأراضي العربية الإسلامية. والآن تأخذ الحرب على الإسلام أشكالا مختلفة، إما الحرب بالمواجهة العسكرية المباشرة، كما حدث في غزو أفغانستان وباكستان والعراق وإما الحرب عبر الميليشيات الدينية والطائفية والعرقية التي أخذت مسميات مختلفة منها ثورات الربيع العربي التي اندلعت بالوكالة في عدد من الدول العربية وأحدثت انقسامات مفزعة في بنيوية المجتمعات العربية التي أصبحت جاهزة للتقسيم والتفتيت على الأساس العرقي أو الطائفي والمذهبي الذي خططه لها الغرب وعملاؤه من المنظمات التي حملت بعض العناوين الإسلامية، فالعراق تم تقسيمه إلى سنة وشيعة وأكراد، وليبيا بدأت رحلة التقسيم بين العرب والأمازيغ، بينما المشهد في مصر كان يتجه لتقسيمها إلى مسلمين وأقباط ونوبة، وسورية واليمن والعراق وليبيا يستعدون لمرحلة ما بعد انتهاء الربيع العربي ليدخلوا في مرحلة الحروب الطائفية التي تقودها إيران التي تحالفت مع الغرب وأسست كثيرا من الجماعات الإسلامية المسلحة مثل "داعش" و"النصرة" و"بيت المقدس" وقائمة طويلة من الأسماء التي تحمل شعار الإسلام. الموضوع ليس مجرد ثورات شعبية بل مؤامرة شعبوية هدفها تقسيم الدول العربية الكبرى إلى دويلات؛ لأن هذه الثورات يدخلها عفن المؤامرات الاستعمارية التي أضرمت فتيل هذه الثورات وأججتها من أجل تحقيق هدف استراتيجي طالما صرف الاستعمار من أجله المال والسلاح؛ وهو تقسيم الدول العربية وتفتيتها ونشر الفتن الطائفية والعرقية بين مجتمعاتها حتى تتفكك هذه الدول إلى دويلات وأحزاب تتحارب فيما بينها وتذوب وتنتهي وتسقط من أجندتها القضايا المصيرية القومية والإسلامية مثل قضية فلسطين وقضية القدس الشريف. وهناك أيضا سؤال الساعة يطرح نفسه: ما الذي نتوقعه لليبيا بعد اندلاع الحروب الأهلية هنا وهناك؟ العراق الآن أصبح دولة ضمنها ثلاث دويلات تحكمها صراعات عرقية وطائفية يصعب وضع حلول لها. هذا المصير الذي وصل إليه العراق واليمن وسورية أبعدهم عن قضايا أمتهم العربية والإسلامية وهو ما ينتظر ليبيا التي بدأت للتو تتنازعها صراعات عرقية وطائفية شديدة الحدة. إن استمرار حروب الإرهاب يعنى استمرار ضياع الهوية العربية والإسلامية والسعي إلى تقسيم الدول العربية إلى مجموعة دويلات تتصارع فيما بينها وتسقط من حساباتها القضايا المصيرية، وإن تقسيم الدول العربية الكبرى كان وما زال مطلبا إسرائيليا ملحا، وإسرائيل دائما تقول لحلفائها الغربيين إن العرب أصبحوا خطرا على مستقبل إسرائيل بوجودهم دولا مكتظة بالسكان. دعونا نتخيل أن ليبيا -لا سمح الله- تم تقسيمها كالعراق، وأن سورية تم تقسيمها كالعراق وليبيا، وأن اليمن تم تقسيمها كالعراق وليبيا وسورية، وأن مصر تم نزع سيناء منها وقسمت إلى مصر القبطية ومصر المسلمة؛ فما هو مآل قضايانا العربية والإسلامية لدى هجين هذه الدويلات؟ أين ستقع قضية الأمن العربي في أجنداتنا؟ وأين ستقع قضية فلسطين في خياراتنا؟ وأين ستقع قضية القدس في برامجنا بعد أن أصبح اهتمامنا بقضايا دويلاتنا هو الذي يشغلنا ويأخذ اهتماماتنا الكبرى؟ إعلان الإدارة الأمريكية أن القدس عاصمة لدولة إسرائيل المحتلة، يذكرنا بالمؤتمر المشؤوم الذى دعا إليه بعد الحرب العالمية سايس وبيكو، طالبا الغرب بإقرار مشروع تقسيم الدول العربية الذي تم تنفيذه بالفعل وتضمن إنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين المحتلة. طبعا حينما يضع الغرب الحلول لمثل هذه الأزمات؛ فإن من أهم أولوياته أن يستبعد مصالح الأمة العربية والإسلامية من كل التسويات المطروحة وأن يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى تكريس مصالحه ومصالح إسرائيل. أؤكد أننا إذا نظرنا اليوم إلى ثورات الربيع العربي بصورة وردية فإننا سنفاجأ بأننا أسهمنا مع الغرب وإسرائيل في تمزيق النظام العربي. ولذلك نحن نريد صحوة في العالم العربي بحجم المؤامرات التي تحيكها ضدنا القوى الصهيونية العالمية حتى ندرك ما يدبر ضدنا من مكايد. إن الكارثة التي تتهدد الاقتصاد العربي هذه الأيام هي ارتفاع فاتورة تكاليف محاربة الإرهاب الذي ينتشر في هذه الأيام بضراوة في محيطنا العربي ويشغلنا عن تحسين أحوالنا المعيشية والتنموية والاقتصادية.
إنشرها