Author

هيكلة صناعة البتروكيميائيات .. الابتكار والتقنية

|
لقد كان حديث وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي خلال افتتاح أعمال المنتدى الخليجي للبتروكيميائيات واضحا وصريحا إلى درجة كبيرة، فسوق البتروكيميائيات لم تزل سوقا ناجحة، والطلب كبير على المنتجات. وعلى الرغم من هذا وذاك، فنحن لم نزل على هامش هذه السوق عالميا ونعتمد على مجرد تقنية الإنتاج للمواد الخام فقط متجاهلين سوقا تبلغ قيمتها التريليونات، ولقد جاءت انتقادات الوزير للقطاع في مكانها تماما، فالمنطقة التي تتمتع بإمدادات وفيرة ذات أسعار تنافسية من الوقود واللقيم، كما تتمتع مصانعها التحويلية بميزة في وفورات الحجم، لا تتجاوز حصتها 2 في المائة من إيرادات صناعة الكيميائيات العالمية التي تبلغ أربعة تريليونات دولار سنويا. لقد كانت المعطيات التي أشار إليها وزير الطاقة في المملكة تشير إلى خلل كبير في عدة جوانب أولها نماذج إدارة القطاع وهذا يمتد إلى طرق استخدام نفقات التشغيل، فالتكاليف التشغيلية لدينا تتجاوز المستويات الأمريكية بنسبة تراوح بين 15 و20 في المائة، وتتجاوز المستويات الصينية 30 و40 في المائة. فنحن نتفوق على العالم في المصروفات ولكننا ننتج منها القليل جدا الذي لا يتعدي 2 في المائة من الحصة العالمية، وإضافة إلى خلل الإدارة فهناك خلل في طموح القطاع، وأن الاستثمارات فيه لم تصل حتى الآن إلى مستوى يمكننا من الاستفادة من جميع المزايا التنافسية المتاحة، فعلى سبيل المثال فإن دول الخليج لا تستهلك محليا سوى نحو 18 في المائة من البتروكيميائيات من أجل استخدامها صناعيا وتحويلها إلى منتجات ذات قيمة أعلى، فيما يتم تصدير أكثر من 80 في المائة منها على شكل مواد خام إلى دول صناعية. وللمقارنة فإن الولايات المتحدة مثلا تقوم بتحويل ثلثي إنتاجها إلى منتجات صناعة ذات قيمة أعلى، وعلى هذا فإن مكمن الخلل الصناعي لدينا ليس في إنتاج البتروكميائيات، بل هو في محدودية الرؤية وضعف الطموح. يتضح مما سبق أن هناك فرصا اقتصادية متاحة من أجل بناء صناعة ضخمة واعدة وأن نسب الحصص في الأسواق العالمية غير عادلة ومن الممكن إحداث توازن لو تمكنت دول الخليج من إصلاح هيكل الصناعات التحويلية قبل عام 2030، فهذه الصناعة قادرة على إنتاج وظائف تصل إلى الملايين، ففي الولايات المتحدة وأوروبا يعمل في هذه الصناعة ما بين خمسة وستة ملايين شخص. وهنا نافذة قوية من الدعم الحكومي، فالمملكة اليوم لديها بيئة تعزز روح المبادرة، وتشجع رأس المال المغامر، ودليل ذلك التطوير المحموم الذي يشهده صندوق الاستثمارات العامة وكذلك إنشاء صندوق الصناديق لدعم المال الجريء. لكن الحل المنشود يحتاج إلى أكثر من مجرد نافذة حكومية، فالدخول في مجال المنتجات التحويلية يتطلب خطة عمل واستراتيجية واضحة المعالم مع خطة تنفيذ مدعومة، بحيث يمكن تحقيقها من خلال دمج مصانع الكيميائيات مع باقي المنظومة الصناعية، وتطوير صناعات أخرى في مجالات من بينها صناعة السيارات والطائرات والطاقة المتجددة والأدوية والتقنية الحيوية والتصنيع العسكري ومواد البناء وغيرها، مع التزام كامل برفع نسب المحتوى المحلي المشترطة وإيجاد سلسلة إمدادات أكثر قوة وتنافسية، أضف إلى ذلك ما أشار إليه وزير الطاقة من ضرورة الاعتماد على محركين أساسيين لإطلاق إمكانات المنطقة في مجال الكيميائيات والاستفادة منها، وهما البحث والابتكار والتقنية؛ والتعاون مع المستثمرين الخارجيين.
إنشرها